التخطي إلى المحتوى

الدكتور علي بن تميم

التقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، مرتين خلال أربعة أشهر، وفي المناسبتين بدا جلياً حجم المحبة والتقدير والاحترام والألفة والتفاهم بين القائدين الكبيرين، والذي هو انعكاس صادق لوشائج الأخوة التي ربطت عبر التاريخ وما زالت بين البلدين والشعبين الشقيقين.

حفاوة استثنائية
وإذ اختار الشيخ محمد بن زايد سلطنة عمان لتكون أول زيارة دولة عربياً وخليجياً له، فذلك إشارة واضحة إلى عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. فالمصير الواحد والحاضر المشترك والتاريخ المجيد، كلها تشهد، والجغرافيا والجوار يبوحان، والنسيج الواحد بين شعبي الدولتين يؤكد أنهما ينبضان بقلب واحد.
ليس من وسيلة إعلام عمانية أو حساب على مواقع التواصل الاجتماعي في السلطنة خلال هذه الزيارة التاريخية، إلا ورأيناها جميعاً تنبض محبة غامرة وتقديراً عميقاً لصاحب السمو، فكانت حفاوة الترحيب استثنائية على المستويين الرسمي والشعبي، بدءاً من دخول طائرته الأجواء العُمانية حيث صاحبها سرب من الطائرات العسكرية مروراً باستقبال السلطان هيثم بن طارق له في المطار السلطاني، إلى المراسم الاستثنائية والحفاوة على وسائل التواصل الاجتماعي التي هتفت جميعها “حياك بوخالد”، و”مرحباً بك في دار ابن طارق”، فضلاً عن الهاشتاقات والفيديوهات المتداولة التي تفصح عن مكنون العلاقة المميزة بين البلدين قيادة وشعباً، وخصوصيتها، وامتدادها في التاريخ.
وحين نتحدث عن التاريخ، فنحن نتحدث عن علاقة ضاربة الجذور في أعماق الماضي، بدأت منذ القدم، وأرسى أسسها ورسخها ومضى بها قدماً المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، والسلطان قابوس بن سعيد “رحمه الله” حين عقدا لقاءً تاريخياً في العام 1968، ثم ازدادت هذه العلاقة قوة بعد قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971 حيث تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات الثقافية والتربوية بينهما، كما كانت زيارة الشيخ زايد إلى السلطنة عام 1991، تاريخية لما نجم عنها من تشكيل لجنة عليا مشتركة بين البلدين أسفرت عن قرار تنقل المواطنين بين البلدين باستخدام البطاقة الشخصية “الهوية” بدلاً من جوازات السفر، وتشكيل لجنة اقتصادية عليا، ثم امتدت هذه الزيارات المتبادلة في عهد الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، لتؤكد متانة العلاقات وخصوصيتها.

حقبة جديدة
وتدشن قمة مسقط حقبة جديدة في هذا التاريخ من التعاون المشترك، في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتنموية، حيث شهدت توقيع العديد من مذكرات التعاون التي تعزز العلاقات الراسخة بين البلدين الشقيقين، وتشمل التعاون في الثقافة والإعلام، والسكك الحديدية، والتعليم والبحث العلمي، والثروات الزراعية، وأسواق المال.
كما تحمل هذه القمة التاريخية دلالات سياسية شديدة الأهمية على المستويين العربي والدولي، فهي تأتي في محيط سياسي مضطرب يكاد يعصف بالعالم ما بين حرب مستعرة بين أوكرانيا وروسيا، وأزمة اقتصادية عالمية عاصفة، فضلاً عن عشرات الملفات العربية المشتركة بين البلدين، ومن هنا يأتي التوقيت الذكي للزيارة ليبرز أهميتها، حيث تأتي قبيل القمة العربية المرتقبة في نوفمبر المقبل، وقمة التعاون الخليجي المنتظرة في ديسمبر. ومن هنا يأتي لقاء القمة في إطار تنسيق المواقف وتوحيد الرؤى والاتفاق على حلول للأزمات المحيطة خاصة مع اتفاق البلدين على الكثير من الملفات، كما تأتي الزيارة جزءاً من دور كبير يقوم به سموه بعد توليه الحكم، لمعالجة العديد من القضايا وإعادة ترتيب ملفات المنطقة وتعزيز التضامن العربي والخليجي.

خصوصية ثقافية
ومن المحطات اللافتة في الزيارة التاريخية، قيام الشيخ محمد بن زايد بزيارة عدد من المواقع الثقافية المهمة مثل دار الأوبرا السلطانية والمتحف الوطني العماني، فهو يقدر خير تقدير أهمية الثقافة في بناء الجسور وتمتين العلاقات، وإذ تحدث في معرض هذه الزيارات عن امتزاج العراقة والأصالة مع الحداثة، فقد كان يتحدث عن أحد جوانب الثراء والخصوصية في العلاقة بين الإمارات وسلطنة عمان، أي الثقافة بمعناها الواسع والعريض، تلك التي تجمع على الخير والجمال والرقي والتي ترتقي بالشعوب فيرتقون بها أكثر فأكثر.
إن هذه الخصوصية في العلاقة بين الإمارات وسلطنة عمان، والتي كشف عنها الاحتفاء الكبير بزيارة الشيخ محمد بن زايد، لَعصِية على الحصر والإيجاز لأنها تعبر عن جزء من القيم المجتمعية والثقافية المشتركة بين شعبي الدولتين. كيف لا، ونحن نتحدث عن جوار جغرافي وعادات وتقاليد واحدة وروابط مصاهرة وثقافة مشتركة تتجلى في الموروث الشفهي والأمثال والمرويات الشعبية والأزياء والفنون. ولا شيء يلخص كل هذه المعطيات مثل مقولة الشيخ محمد بن زايد “إن العلاقات بين دولة الإمارات وسلطنة عُمان الشقيقة كانت ولا تزال وستظل، بإذن الله تعالى، وإرادة قيادتيهما.. قوية وراسخة لأن ما يجمع شعبي البلدين من روابط أخوية يضرب جذوره في أعماق التاريخ، ويستند إلى أسس متينة من الجوار الجغرافي والقيم والعادات والتقاليد المشتركة وعلاقات القربى والمصاهرة والعمق الاستراتيجي وغيرها من العوامل التي تكسب علاقات البلدين خصوصيتها وتميزها”، فكل هذه العوامل لا تصنع دولتين متجاورتين فحسب، بل تقيم وشائج وروابط قوية، وتخلق جسداً بقلب واحد، همومه واحدة، وتطلعاته مشتركة، ومستقبله واحد.
وصف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، العلاقة بين البلدين بقوله إن “عمان منا ونحن منهم، إخوتنا وأشقاؤنا وعضدنا”، وتجسد الصور المتداولة للشيخ محمد بن زايد والسلطان هيثم بن طارق وهما “يد في يد”، معنى العضد، وجوهر الأخوة، وترسم السعادة على وجوه شعبي البلدين وهما يريان قائديهما يرسمان طريقاً واثقاً نحو المستقبل، صنعته الجغرافيا وأرساه التاريخ وصانته المهج والقلوب.

رئيس مركز أبوظبي للغة العربية

Scan the code