التخطي إلى المحتوى

خلال خطابه الأخير قبل أيّام، أثنى الأمينُ العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله على تعاطي بعض الأحزاب السياسيّة مع حادثة الكحالة، مشيراً إلى أن تلك الأطراف سعت إلى التهدئة رغم أنّها ليست “حليفة لحزب الله”.

الكلام الذي أطلقه نصرالله على هذا الصعيد يرتبطُ حُكماً وبشكلٍ مباشر بالحزب “التقدّمي الإشتراكي”، وتحديداً بالنائب السّابق وليد جنبلاط الذي تدخّل فوراً عقب الحادثة التي حصلت الأسبوع الماضي، بغية نزعِ فتيل الإنفجار ووأد الفتنة. من خارج لبنان، تولّى جنبلاط إتصالات التهدئة، فكانَ له تواصلٌ مع مختلف المرجعيات السياسية والأمنيّة، حتى أنه كان لديه خطٌّ مع “حزب الله” عمل خلالهُ على لجمِ أيّ تصعيد في الشارع. هنا، تقول المعلومات إنّ جنبلاط لم يُقفل باب إتصالاته مع الحزب طيلة فترة الحادثة وبعدها، الأمر الذي تركَ إرتياحاً لدى الأخير بشدّة.  

بالنسبة للحزب اليوم، فإنّ جنبلاط لعبَ الدور الأبرز في سحب كل بوادر التحريض التي كادت تؤدي إلى حربٍ أهليّة حذر منها نصرالله قبل أيام بشكلٍ واضح. وإزاء ما جرى، باتت حارة حريك مُتمسّكة أكثر من أيّ وقتٍ مضى بمضمون التقارب مع جنبلاط لأنها تجدُ فيه صمّام أمانٍ في أوقات الشدائد. حقاً، كان “زعيم الجبل” عنصراً فاعلاً في لجمِ أي إنفلاتٍ أمني ضمن الكحالة الواقعة في قضاء عاليه الذي يُعتبر أساساً بالنسبة لـ”الإشتراكي”.  

المُفارقة هنا هي أنّ جنبلاط سار عكس “التيار”، فلم يُغلب المصلحة الإنتخابيّة على التهدئة خلافاً لما فعلته بعض الأطراف الأخرى كـ”التيار الوطني الحر” الذي راح بعيداً باتجاه خطابٍ غير حياديّ. أما الأمر الأهم، فهو أنّ جنبلاط لعب دور “بيضة القبان” في حفظ الأمن والتنسيق مع الجيش، الأمر الذي أثارَ موجة من الإطمئنان المتزايد، وساهم في عزل كل عناصر الإشتباك.

في الواقع، فإن ما جرى في الكحّالة أكد أن الدروزَ كانوا وسيبقون بمعزلٍ عن أيّ إقتتال داخلي، وهذا أمرٌ تُجمع عليه مختلف القيادات ضمن الطائفة، بغض النظر عن اختلافاتها وتناقضاتها. وعملياً، فإن جنبلاط، وإن شاء المغامرة في التصعيد، فإنه لن يُلاقي كثيرين معه على “الموجة” نفسها، لأنّ الظروف هذه المرّة تختلف تماماً عن السابق. ففي أيام الحرب، كان جنبلاط مُرغماً في الدفاع عن الجبل، أما اليوم فمصلحته الأولى تقتضي إرساء التهدئة لعدم إغراق نجله تيمور في وحول أيّ صراعات تؤدي إلى كسرِ زعامته وسط غياب الحلفاء الأقوياء عسكرياً ومالياً.  

كذلك، فإنَّ ما يتبين أيضاً هو أنّ جنبلاط أبقى نفسهُ بعيداً عن الصراع ضدّ “حزب الله”، وذلك رغم التعارض بين الطرفين في مختلف الملفات أبرزها مسألة رئاسة الجمهورية. حتماً، فإنّ ما حصل أكّد أن جنبلاط “فصلَ” تماماً السياسة عن الإستقرار، وفي اللحظات المصيرية يتخذ القرارات الصائبة التي يرى فيها “حزب الله” أساساً لتثبيت الشراكة.

أمام ما حصل، فإنّ “الإشتراكي” قد يكونُ العنصر الأكثر ثقة بالنسبة لـ”حزب الله” في مسألة الكحالة، لكن هذا الأمر لا يعني تسليم جنبلاط بما يريده الحزب أو بما يطرحه الأخير من طروحاتٍ على الصعيد السياسي. إلا أنهُ وبمعزلٍ عن أي شيء، لا يمكن القول سوى أنّ جنبلاط أثبتَ جدوى تقاربه مع الحزب من خلال تهدئة الشارع، وهذا ما يحتاجه أبناء الجبل وهذا ما يجب تكريسهُ أساساً وسط الظروف القائمة.

بشكلٍ أو بآخر، فإنّ ما جرى قد لا يمنع “حزب الله” من المبادرة أكثر لتقدير جنبلاط، وبالنسبة لأوساط حارة حريك، فإنّ الأخير ومن خلال عمله على سحب فتيل الفتنة، ساهم في حماية المقاومة ومنع جرّها إلى إقتتال داخلي. هنا، قد يكون ما جرى مُحفزاً للقاء بين نصرالله وجنبلاط.. فما الذي يمنع ذلك؟  

الأمورُ كلها واردة، والأهم هو تثبيت الإستقرار، ويمكن القول إنّ الكحالة جمعت الحزب و “الإشتراكي” من جديد.. حُكماً، الشارع أسّس لهذا التلاقي، كما أنّ رفض الفتنة ساهم في التمهيد لإنفتاحٍ جديد قائم على التعاون أكثر فأكثر.. والسؤال هنا: هل سينتقل “الإرتياح” بين الطرفين إلى الملف الرئاسي؟ هنا، الأمور مرهونة بما سيجري سياسياً.. وكما يُقال دائماً: فلننتظر…

Scan the code