التخطي إلى المحتوى

القدس المحتلة- أشعل اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان سجالا في الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية، التي انقسمت على نفسها بين مؤيد له يراه “إنجازا تاريخيا” لمصالح إسرائيل الأمنية والاقتصادية، ومعسكر معارض يراه “استسلاما تاريخيا” وتنازلا لحزب الله.

ووسط هذا السجال السياسي الذي يرافق السباق المحموم بين معسكر المعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو (الذي ينطوي تحت مظلته تحالف “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش، والأحزاب الحريدية “شاس” و”يهدوت هتوراة”)، ورئيس معسكر حكومة التغيير برئاسة يائير لبيد، لحسم انتخابات الكنيست التي ستجرى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؛ صادقت الحكومة الإسرائيلية -مساء الأربعاء- على مبادئ اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.

وبدا النقاش أكثر حدة عقب مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) على الاتفاق الذي تم إيداعه الهيئة العامة للكنيست لمناقشته خلال 14 يوما، على أن تصادق الحكومة عليه بشكل نهائي في موعد أقصاه 26 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، قبل 6 أيام من انتخابات الكنيست.

وسيسمح لأعضاء الكنيست خلال أسبوعين بمراجعة مبادئ الاتفاق والاطلاع على بنوده، لكن دون أن يتم التصويت عليه في الكنيست، علما بأن الاتفاق يحظى بمعارضة أحزاب كتلة المعارضة برئاسة نتنياهو التي توظفه لمكاسب انتخابية، كما أن وزيرة الداخلية أيليت شاكيد عارضت الاتفاق، في وقت امتنع فيه وزير الاتصالات يوعاز هندل عن التصويت عليه في الحكومة.

تنازلات وإنجازات

وفي كلمة مصورة، كرر نتنياهو موقف قيادات المعارضة اليمينية الرافض لمسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، قائلا “إن حزب الله هدد لبيد واستطاع أن يجعله يرضخ لمطالبه بالمفاوضات عبر التلويح بقوة السلاح”.

وفي مؤشر إلى أن معارضة الاتفاق تأتي لدوافع سياسية وانتخابية، قال نتنياهو إن “من يرضخ بهذا الشكل لصالح حزب الله، لا يستطيع أن يكون رئيس حكومة في إسرائيل، وغير قادر على مواجهة إيران ومشروعها النووي، ولا يستطيع مواجهة التهديدات والتحديات التي تواجه إسرائيل”.

وفي محاولة منه لتوظيف الاتفاق مع لبنان ضمن حملته الانتخابية واستمالة الجمهور الإسرائيلي، قال لبيد إن “الاتفاق مع لبنان يصب في مصلحة إسرائيل الاقتصادية وأمنها القومي، ويعزز من أمنها ويضمن الهدوء والاستقرار على الجبهة الشمالية، كما أنه يجنبها المواجهة المستقبلية مع حزب الله”.

وفي مؤشر قضائي يتناغم مع تصريحات لبيد ويقلل من قيمة المعارضة التي تبديها أحزاب المعارضة في الكنيست على اتفاق ترسيم الحدود، ردت المحكمة العليا الإسرائيلية -أمس الأربعاء- الالتماسات التي قدمتها منظمات يمينة طالبت المحكمة إصدار أمر احترازي بوقف إجراءات مصادقة الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق.

وبذلك، تبنت المحكمة موقف المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهاراف ميارا، التي أكدت أن الحكومة ليست ملزمة بعرض اتفاق ترسيم الحدود البحرية لمصادقة الكنيست، وأن باستطاعة الحكومة الانتقالية إتمام الاتفاق مع لبنان.

رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد يتفقد من الجو حقل "كاريش" (تصوير مكتب الصحافة الحكومي التي عممها على وسائل الإعلام للاستعمال الحر)
رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد يتفقد من الجو حقل “كاريش” (وكالات)

معارضة وتأييد

وعزا المحلل السياسي سليمان أبو ارشيد الجدل السياسي في إسرائيل حول الاتفاق إلى انتخابات الكنيست، مشيرا إلى أن كل معسكر -سواء المعارض أو المؤيد- يسعى لتوظيف الاتفاق لصالحه باستمالة جمهور الناخبين، مؤكدا أنه من الصعب استبيان الموقف الحقيقي الذي تتخلله المزايدات الانتخابية.

وتطرق أبو ارشيد في حديثه للجزيرة نت إلى الأطراف التي تعارض التوقيع عليه، ودوافع المعارضة رغم خدمته مصالح إسرائيلية، بالقول إن “أحزاب المعارضة التي يقودها نتنياهو تريد المزاودة على أحزاب الائتلاف الحكومي الداعمة للاتفاق، بهدف أن تستفيد منه انتخابيا لضمان تشكيل الحكومة المقبلة، وإن كان بأقلية 61 من أعضاء الكنيست”.

وفي المقابل، يعتقد المحلل السياسي أن معسكر أحزاب التغيير يهدف إلى استثمار الاتفاق والترويج له كإنجاز سياسي فشلت حكومات نتنياهو على مدى 10 سنوات من المفاوضات غير المباشرة مع لبنان في تحقيقه، وقطف ثماره في انتخابات الكنيست، وذلك لضمان عدم عودة نتنياهو لكرسي رئاسة الوزراء والبقاء في سدة الحكم.

وأكد أن ضغوطا مارسها الرئيس جو بايدن على إسرائيل ولبنان أفضت للتوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وذلك لحاجة واشنطن إلى غاز شرق المتوسط بديلا عن الغاز الروسي، لضمان تدفقه إلى أوروبا ودول أخرى، وعليه “لو كان نتنياهو رئيسا للحكومة لكان سيقدم التنازلات ويقبل بهذا الاتفاق”.

دوافع ومصالح

ذات الموقف عبرت عنه الصحفية المتخصصة في الاقتصاد السياسي ميراف اللوزروف، التي قالت إن “الاتفاق بجوهره الأساسي اقتصادي ومصلحة للبلدين وأميركا”، مشيرة إلى أن إسرائيل قدمت تنازلات عن المياه الاقتصادية للبنان، وكذلك عن حقل قانا الذي ستكتفي بالحصول على 17% من عائداته، حيث تقدر قيمة الغاز بالحقل بحوالي 20 مليار دولار، علما بأن إسرائيل لم تدّعِ في السابق أن الحقل في ملكيتها ويقع ضمن المياه الاقتصادية الخاصة بها.

وتعليقا على المعارضة لترسيم الحدود البحرية مع لبنان، استذكرت الصحفية في حديثها للجزيرة نت، أن نتنياهو -الذي انتخب عام 2013 للمرة الثالثة رئيسا للحكومة الإسرائيلية- وافق على التخلي عن أجزاء من حقل قانا تقدر بحوالي 20% من قيمته الإنتاجية، وذلك في سياق المفاوضات بين البلدين برعاية أميركية.

وتعتقد اللوزروف أن الاتفاق يشكل إنجازا أمنيا بضمان الهدوء والاستقرار على الجبهة اللبنانية، وردع حزب الله الذي لن تكون له أي مبررات لمهاجمة إسرائيل مستقبلا.

كما أن هذا الاتفاق من وجهة النظر الإسرائيلية، “يدعم الاستقرار لدى بيروت التي لن تبقى رهينة لإيران، ويشكل طوق نجاة من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، وضمانا أمنيا لإسرائيل، وذلك مقابل تنازلها عن مساحات من المياه الاقتصادية تقدر بحوالي 850 كيلومترا مربعا، وامتيازات إضافية في حقل قانا، والأهم إزالة التهديدات عن حقل كاريش”.

Scan the code