التخطي إلى المحتوى

يمهّد العشاء لمؤتمر حواري يُعقَد حول لبنان في جنيف الشهر المقبل (حسام شبارو/الأناضول)

ضجّت الساحة اللبنانية في الساعات الماضية بعشاءٍ تقيمه السفارة السويسرية مساء غدٍ الثلاثاء، تمهيداً لمؤتمر حواري يُعقَد حول لبنان في جنيف الشهر المقبل، سرعان ما عُلِّب بعناوين سياسية طائفية، من بوابة تغيير النظام القائم، وصُبَّت “نواياه” في إطار التسويات التي تقدّمها ملف ترسيم الحدود البحرية، ورُبِط به مسار الاستحقاق الرئاسي، الذي تضغط باتجاهه دول الخارج المعنية بالملف اللبناني، فقامت اعتراضات بوجهه، وتوالت الاعتذارات عنه، الأمر الذي أدى إلى تأجيله.

وقالت أوساط سياسية وجّهت لها الدعوة للمشاركة في العشاء، لـ”العربي الجديد”، إن “منظمة هيومن ديالوغ السويسرية، وهي تعنى بحلّ النزاعات، وجهت دعوات لقوى وشخصيات سياسية وناشطة لحضور عشاء من تنظيمها في مقرّ السفيرة السويسرية، وقد شملت قوى السلطة والمعارضة والتغييريين، وقد أتت موافقات مبدئية، باعتبار ألا أهداف وراء الدعوة، التي قد تتضمن نقاشاً سياسياً طبيعياً، لا مؤتمراً حوارياً أو تأسيسياً، كما أشيع وضجّت بسيناريوهاته وسائل الأعلام، ولكن بعد البلبلة التي حصلت، عاد كثيرون عن قرارهم واختاروا الاعتذار”.

وإزاء المواقف التي ارتفعت حدّتها بوجه السفارة السويسرية، خرجت الأخيرة ببيان، اليوم الاثنين، أعلنت فيه “تأجيل العشاء غير الرسمي إلى موعدٍ لاحقٍ”، وأوضحت أن “الأسماء المتداولة في الاعلام لا تشمل أسماء المدعوين فعلياً، وأن الهدف منه كان تعزيز تبادل الأفكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية”.

وقالت السفارة إن “سويسرا تعمل بنشاطٍ في لبنان منذ سنوات عدة، بما في ذلك في مجال منع نشوب النزاعات وتعزيز السلام، وخلال الشهرين الماضيين، وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الإنساني التي تتخذ سويسرا مقراً لها، تواصلت سويسرا مع جميع الجهات الفاعلة السياسية، اللبنانية والإقليمية والدولية، للتحضير لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار”.

ولفتت إلى أنه “من التقاليد السويسرية، بذل مساع حميدة عندما يطلب منها ذلك، وتأتي هذه المناقشات المزمع عقدها نتيجة مشاورات سابقة مع جميع الأطياف السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، في ظل احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني”.

وخرجت إلى العلن أسماء عددٍ من النواب كممثلين عن كل كتلة برلمانية وحزب سياسي، الذين وجّهت إليهم الدعوات للمشاركة في العشاء، من بينهم النائب عن حزب “القوات اللبنانية” (يرأسه سمير جعجع)، ملحم الرياشي، الذي أشار في تغريدة مساء أمس الأحد، على حسابه عبر “تويتر”، إلى أن “العشاء المرتقب في السفارة السويسرية في بيروت أسيء فهمه وحُمّل أكثر من حجمه، لذلك أعتذر عن عدم المشاركة، بانتظار توضيحات تحدد الخلفيات إذا ما وجِدت خلفيات”، موجهاً، في المقابل، الشكر لسفيرة سويسرا لدى لبنان ومنظمة “هيومن ديالوغ”.

في السياق، قال رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية” شارل جبور، لـ”العربي الجديد”، إن “القوات أعلنت بداية المشاركة في العشاء الذي يقام في السفارة السويسرية، من باب اللياقات الدبلوماسية، وعلى اعتبار أن طابع المناسبة محض اجتماعي، إذ لم يُحكَ عن أي حوار في جنيف أو أي أهداف أخرى يُراد تحقيقها، بيد أنه عندما أعطي العشاء تفسيرات تتعلق بحوارات داخل وخارج البلاد، خلافاً لما حُكي به معنا، طلب الحزب من النائب رياشي الاعتذار عن الحضور”.

ولفت جبور إلى أن “القوات ليست بصدد الذهاب أو المشاركة في أي حوار سياسي في وقت يجب أن تكون الأولوية لانتخابات رئاسة الجمهورية ضمن المهلة الدستورية، فضلاً عن أننا ضد أي حوار لا يرتكز على وضعية واضحة المعالم”، لافتاً إلى أن “كل الحوارات السابقة لم تؤدِّ إلى نتيجة، ولم تبيّن التجربة أن حزب الله بصدد مراجعة مواقفه ومناقشة جدوى سلاحه”.

كذلك، خرج إلى العلن اسم النائب عن كتلة “التغييريين” إبراهيم منيمنة، الذي وُجهت له الدعوة وأبدى موافقته على المشاركة، ما عرّضه لجملة انتقادات، منها ضمن الكتلة نفسها، بيد أن مصادر مقرّبة منه أكدت لـ”العربي الجديد” أن “منيمنة أعطى موافقة مبدئية، باعتبار أن الدعوة مرتبطة بنقاش طبيعي يجرى بوجود نواب وسياسيين، لا مؤتمر حواري أو تأسيسي كما أشيع في الإعلام”.

من جهته، قال النائب في الكتلة ياسين ياسين، لـ”العربي الجديد”، إنه “علم بالعشاء عبر الإعلام، ولا يعلم ما إذا كان هناك مؤتمر حول لبنان أم لا، وقد اتصل بالنائب منيمنة لمعرفة التفاصيل، فأكد له أن الاجتماع فكري لا علاقة له بالسياسة، ولا جدول أعمال محدداً”، مشيراً إلى “أننا أبدينا استغرابنا بعد البيانات التي توالت، منها لحزب القوات، والعشائر العربية”.

بدوره، غرّد النائب في الكتلة وضاح صادق، عبر حسابه على “تويتر”، معلناً أن دستور الطائف هو مرجعيته السياسية، وهو ضدّ أي مؤتمر دولي أو محلي في ظل سلاح الأمر الواقع، مضيفاً “لا أحد يمثلني في أي لقاء في أي سفارة، وأرفض البحث بهذا الموضوع من أساسه، أخذت علماً به عبر الإعلام وهذا بحدّ ذاته غير مقبول”.

وتابع: “كما أن بعض مواقف الزملاء في التكتل عن اتفاق الطائف وتحميل مسؤوليات الانهيار المالي، وإصرار البعض على رفض أي آلية للعمل أو لتشكيل أمانة سر أو مكتب دعم، والأسوأ قرارات اللحظة الأخيرة وغياب الاستراتيجية والتخطيط، تهدد صمود التكتل برمّته إذا لم نتحمّل المسؤولية الكبيرة بوعي ونضج”.

وحذر تجمع أبناء العشائر العربية في لبنان النائب منيمنة، الذي قالت إنه جرى التداول باسمه كممثل عن الطائفة السنية لحضور المؤتمر “المشبوه”، من المشاركة فيه أو غيره من المؤتمرات التأسيسية التي تسعى إلى هدم اتفاق الطائف، معتبرة مشاركته، في حال حصلت، “انتحال صفة ونحراً للطائفة السنية”.

بدوره، قال رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان (من محور حزب الله وحلفائه)، في تغريدة على حسابه عبر “تويتر”، إن “دعوة السفارة السويسرية ولدت ميتة، ولن تنجح هكذا مساعي منقوصة الرؤية والأهداف، نحن نعيش أزمة فقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية والمالية كافة في البلد، ويجب البحث عن ولادة جديدة للبنان على قواعد واضحة ومتطورة، تحاكي تطلعات الشباب اللبناني وطموحاتهم”.

حراك للسفير السعودي: لإنجاز الاستحقاقات في موعدها

وفي سياق الحراك الخارجي، برزت، اليوم، جولة للسفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري على مسؤولين سياسيين، بدأها صباحاً مع الرئيس ميشال عون الذي استقبله في قصر بعبدا الجمهوري، مقرّ الرئاسة اللبنانية، فكان عرض للعلاقات اللبنانية – السعودية وسبل تطويرها في المجالات كافة، قبل أن يلتقي رئيس البرلمان نبيه بري.

وقال بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية إن اللقاء “عرض الدعم الذي تقدمه المملكة، ولا سيما على الصعيدين الاجتماعي والإنساني، وتطرق إلى الأوضاع العامة والتطورات الأخيرة”. وأضاف البيان أن “السفير بخاري جدّد التأكيد على حرص المملكة على وحدة لبنان وشعبه وعمقه العربي، انطلاقاً من المبادئ الوطنية الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف الذي شكل قاعدة أساسية حمت لبنان وأمنت الاستقرار فيه”.

كما أكد بخاري “أهمية إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها”، لافتاً إلى أن “الرئيس عون أكد حرصه على تفعيل العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين”.

وقال مصدرٌ في قصر بعبدا لـ”العربي الجديد” إن جولة السفير السعودي تندرج في إطار التشديد على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وأن يكون الرئيس المنتخب قادراً على العمل مع جميع الأطراف الخارجية للنهوض بالبلاد، كما ضرورة الحفاظ وعدم المساس باتفاق الطائف (وضعت الوثيقة عام 1989 بين الأطراف اللبنانية المتنازعة، في مدينة الطائف السعودية، وأنهت الحرب الأهلية، وتضمنت مبادئ أساسية سياسياً وإصلاحات، وتركزت على بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، والعلاقات اللبنانية السورية).

كذلك تطرق بخاري، بحسب المصدر، إلى أهمية إتمام الاستحقاقات الأخرى، على رأسها تشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، عدا عن الالتزام بالقرارات الدولية.

وكان السفير السعودي غرّد، مساء أمس الأحد، حول وثيقة الوفاق الوطني، واضعاً إياها في إطار “العقد الملزم لإرساء ركائز الكيان اللبناني التعددي”، مؤكداً أن “البديل عنه لن يكون ميثاقاً آخر، بل تفكيكاً لعقد العيش المشترك، وزوال الوطن الموحّد، واستبداله بكيانات لا تشبه لبنان الرسالة”.

Scan the code