التخطي إلى المحتوى

رسمت حادثة منطقة “الكحالة” التي جرت في لبنان الأربعاء الماضي خطاً عريضاً بين ما قبلها وما بعدها، فما حصل بين أهالي البلدة وعناصر من “حزب الله” على خلفية رفض الأهالي مرور شاحنة محملة بالسلاح تابعة للحزب، اكتشفت عن طريق الصدفة بعدما انقلبت على كوع البلدة ذات الأغلبية المسيحية، عكس حجم المشكلة التي يواجهها الحزب، التي تتمثل بفقدانه للبيئة الحاضنة العابرة للطوائف. فما جرى في الكحالة هو نموذج مكرر لما حصل في مناطق أخرى في أوقات سابقة، مثل شويا الدرزية وخلدة السنية، من صدامات اتخذت طابع “الصدام الأهلي” بين الحزب والأهالي.

حادثة الكحالة أعادت أيضاً طرح موضوع السلاح الخارج عن شرعية الدولة على بساط البحث، ودفعت بقوى المعارضة في لبنان إلى إعلان تغيير الأسلوب التقليدي المتبع في مواجهتها للحزب وحلفائه، على قاعدة عدم الاستعداد للتعايش مع سلاح “حزب الله”. وأكد 12 نائباً يمثلون أحزاب المعارضة (“القوات اللبنانية” و”الكتائب” وحركة “تجدد”) ونواب تغييريون في بيان أنهم في صدد “إعادة التواصل الواسع مع قوى الاعتراض لإعادة النظر بشكل شامل بمسار المواجهة مع منظومة الحزب وحلفائه، ليتم إطلاق مرحلة جديدة لمواجهة وطنية سياسية شعبية”.

تناقض في قراءة “الطائف”
وعكست حادثة الكحالة تناقضاً في قراءة “اتفاق الطائف” ومضمونه في ما يتعلق بالسلاح الخارج عن الشرعية، بين “حزب الله” ومن يدور في فلكه من جهة، وبقية المجتمع اللبناني من جهة أخرى. وبرز في السياق موقف للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي انطلق من حادثة الكحالة ليعيد التذكير بأهمية “تطبيق الطائف نصاً وروحاً”، مستعيداً بعض بنوده الأساسية المتعلقة بالدولة وسيادتها وسلاحها الشرعي. وقال الراعي “لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة وأكثر من جيش شرعي وأكثر من سلطة وأكثر من سيادة، بهذا المنطوق يجب تطبيق اتفاق الطائف بكامل نصه وروحه، وقرارات الشرعية الدولية في شأن سيادة دولة لبنان على كامل أراضيها”.
في المقابل اعتبر الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله مساء الإثنين أن أحمد قصاص الذي سقط في الحادثة كان يدافع “عن المقاومة وعن جاهزيتها”، وكان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد علق على حادثة الكحالة قائلاً إن “الغلط لا يمكن أن يتكرر”. وأكد “من لا يريد المقاومة يعني أنه لا يريد اتفاق الطائف”، مضيفاً أن “المسألة ليست مسألة شاحنة انقلبت على كوع الكحالة، وإنما المسألة كانت مسألة موقف من المقاومة، لأنهم لا يريدون مقاومة في هذا البلد”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المعارضة تستعد للتصعيد

من جهته حسم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع التفسيرات التي أعطيت للمواقف التي صدرت عن بعض قوى المعارضة لجهة تغيير أسلوب المواجهة جازماً بأن “مسألة إعادة التسلح غير مطروحة كلياً، خصوصاً بوجود الجيش اللبناني والقوى الأمنية”. وكان رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل الذي كان أعلن أخيراً عدم الاستعداد للتعايش مع “حزب الله”، أوضح أن الخيارات المتاحة للمواجهة لن تكون دعوة إلى العنف أو إلى التسلح. وتستعد قوى المعارضة بحسب المعلومات لإصدار بيان جامع تحدد فيه مساراً جديداً للمواجهة في المرحلة المقبلة، ذو طابع تصعيدي تدريجي، بعدما باتت أغلبيتها مقتنعة بأنه لم تعد هناك فائدة من النقاشات السياسية التقليدية.
وتجنب عضو كتلة “الكتائب” البرلمانية النائب إلياس حنكش استباق ما قد يصدر في البيان، موضحاً لـ”اندبندنت عربية” أن “قوى المعارضة جربت كل الطرق عبر الأطر المؤسساتية وكانت تقابل من الحزب وحلفائه بالتعطيل واستباحة الدستور والتذاكي على القوانين وباجتهادات دستورية”. ورأى أنه “فيما كانت قوى المعارضة تعتمد أسلوب التوازن البرلماني والعمل المعارض من داخل المؤسسات كان التسليح في المقابل مستمراً والقتل أيضاً و’البلطجة‘ شغالة والأحداث الأمنية تتكاثر، ولم يتأثر حزب الله ولم يغير أسلوبه. من هنا بات على قوى المعارضة أن تتوحد لمواجهة ما يحدث، خصوصاً بعد حادثة الكحالة، وفق تصعيد تدريجي من خارج القنوات المؤسساتية”. فهناك بحسب حنكش “أسئلة محورية باتت مطروحة على الطاولة، من قبيل كيف يمكن أن نتحاور مع فريق يحمل السلاح ويهددنا به؟ وكيف يمكن أن نعمل معاً في مؤسسة دستورية لا يعترف بها أصلاً ولا يعترف بكل الجمهورية؟ المشكلة باتت أعمق من القول إننا قادرون على استكمال نشاطنا السياسي والمؤسساتي على قاعدة business as usual والبحث عن الرئيس الأفضل وانتظار الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان وكأن حادثة الكحالة لم تحصل”. وأضاف النائب الكتائبي “حاولنا التكتكة السياسية ولم نصل إلى مكان، وبالتالي بات لزاما عليناً البحث عن إطار جديد للعمل السياسي وللمواجهة بطابع تصعيدي غير تقليدي. لكن التصعيد لا يعني حمل السلاح، كما ترجمها بعضهم”، مؤكداً أن “الأسلوب غير التقليدي للمواجهة لا يعني الدعوة إلى التسلح وافتعال المشكلات”، مضيفاً “لن نقابل الشر بالشر أو الخطأ بخطأ آخر، وهدفنا تصعيد معارض جامع موحد للقول إن أغلبية اللبنانيين يرفضون الدويلة داخل الدولة”.

هل ينضم “الاشتراكي” إلى المواجهة؟

لم يكن تفصيلاً التزام الحزب “التقدمي الاشتراكي” الصمت بعد حادثة الكحالة، إذ تجنب معظم نوابه والمسؤولين فيه التعليق. وموقف الاشتراكي عبر عنه رئيس الحزب النائب تيمور جنبلاط بتعليق مقتضب على حسابه على منصة “إكس”، داعياً إلى “عدم السماح باستغلال الأمر لإثارة الفتنة ونبش الماضي، بل يجب التلاقي مع كل موقف حكيم وعاقل”، وشدد على “التمسك بالوحدة الوطنية بانتظار نتائج التحقيق ليبنى عليه”.
كلام جنبلاط دفع إلى التساؤل عن مدى استعداد الحزب “التقدمي الاشتراكي” للانضمام إلى حملة الداعين في المعارضة إلى تغيير أسلوب المواجهة مع “حزب الله”، وفي هذا الإطار شدد عضو كتلة “اللقاء الديمقراطي” (كتلة الاشتراكي البرلمانية) النائب بلال عبدالله لـ”اندبندنت عربية”، وفي ذاكرته أحداث السابع من مايو (أيار) 2008 على أهمية المواجهة السياسية، معتبراً أن “التوتر والشحن الذي قد يؤدي إلى حرب أهلية، هو بمثابة انتحار في ظل غياب توازن القوى”. وبعناية يختار النائب الاشتراكي كلماته ويرد على إمكان الاتحاد مع المعارضة في تغيير أسلوب المواجهة، مؤكداً أن “الأولوية هي لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة إنقاذية وحماية ما تبقى من الدولة ومؤسساتها ورفع البؤس عن أكثرية الشعب اللبناني، وعلى رغم تبني الحزب التقدمي الاشتراكي لعناوين السيادة وحصرية السلاح في يد القوى الأمنية الشرعية، إلا أنه لا يزال يعتبر أن الحوار هو الطريق الوحيد لمعالجة هذه القضايا الخلافية”. وأكد النائب عبدالله أن “المسائل الخلافية كموضوع السلاح يجب أن تنظم وعدم التصعيد باتجاهها بسبب دقة المرحلة الإقليمية وهشاشة الوضع الداخلي”. ورأى أن سلاح “حزب الله” وكل سلاح خارج الدولة يجب أن يناقش على طاولة حوار على قاعدة الاستراتيجية الدفاعية واستعادة هيبة الدولة وسيادتها على أرضها وقرارها.

Scan the code