التخطي إلى المحتوى

كشفت تهديدات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأخيرة حجم المأزق الذي وقع فيه “سيد الكرملين المحاصر”، في أعقاب الخسائر المتتالية لقواته خلال غزوها لجارتها أوكرانيا، بينما أصبح الغرب أكثر وحدة “ضد تهديدات موسكو النووية”، وفقا لتحليل لصحيفة “نيويورك تايمز“.

وفي خطاب متلفز، الأربعاء، أعلن بوتين استدعاء مئات آلاف الروس للقتال في أوكرانيا محذرا الغرب من أن موسكو “ستستخدم كل الوسائل” المتاحة لها للدفاع عن نفسها بما في ذلك السلاح النووي.

وفي خطاب نادر، أكد بوتين أن “الأمر ليس خدعة” متهما الدول الغربية بمحاولة “تدمير” روسيا.

وجاء خطاب بوتين لمواجهة “خسائر جسيمة في ساحة المعركة في أوكرانيا”، وفقا لتقرير لصحيفة ” وول ستريت جورنال“.

وكان خطاب بوتين أكثر من مجرد محاولة لتغيير مسار حربه المتعثرة ضد أوكرانيا، فهو يحول “حربه العدوانية” ضد أحد جيرانه إلى حرب دفاع عن “وطن مهدد”، وفقا للتحليل.

ولم يكن هدف بوتين “أقل من تغيير معنى الحرب بالنسبة لبلاده، ورفع المخاطر بالنسبة للعالم بأسره”، حسب الصحيفة.

وابتعد بوتين في خطابه عن هدفه الأصلي المتمثل في نزع السلاح و “إزالة النازية” من جميع أنحاء أوكرانيا، ما يكشف عدم صحة “ادعاءات الكرملين أن الحرب تسير وفقا للخطة”، ويمثل “اعترفا ضمنيا” بتزايد المقاومة الأوكرانية ضد القوات الروسية، حسب “نيويورك تايمز”.

بوتين محاصر

أعلنت روسيا، الثلاثاء، عن إجراء استفتاءات في أربع مناطق يحتلها الروس في شرق أوكرانيا وجنوبها اعتبارا من، الجمعة، بشأن ضمها لروسيا.

وأعلنت السلطات التي عينتها موسكو في أربع مناطق في أوكرانيا، الثلاثاء، إجراء استفتاءات عاجلة بشأن الانضمام إلى روسيا بدءا من 23 ولغاية 27 سبتمبر، في خضم هجوم أوكراني مضاد.

وتوعدت الرئاسة الأوكرانية “بالقضاء” على التهديد الروسي بينما قارنت وزارة الدفاع تلك الاستفتاءات بـ”آنشلوس”، في إشارة إلى ضم النمسا إلى ألمانيا النازية في عام 1938.

وكشفت عن تنظيم الاستفتاء السلطات الانفصالية في منطقتي لوغانسك ودونيتسك وكذلك في خيرسون التي احتلها الجيش الروسي في جنوب أوكرانيا وفي منطقة زابوريجيا وفيها أكبر محطة نووية في أوروبا

ويبدو أن مسار الأمور في خاركيف هو ما دفع بوتين إلى إعلان التعبئة الجزئية، في خطوة كان قد استبعدها الكرملين الساعي لتظهير الأمور على أنها طبيعية في روسيا على الرغم من النزاع، حسب وكالة “فرانس برس”.

وتكبد الجيش الروسي خسائر في إطار الهجومات المضادة التي تشنها القوات الأوكرانية في منطقتي خيرسون في جنوب البلاد وخاركيف في شمالها الشرقي حيث اضطرت موسكو إلى تنفيذ عمليات انسحاب، وفقا للوكالة.

ويعد أمر التعبئة الذي أصدره بوتين، الأول من نوعه في موسكو منذ الحرب العالمية الثانية، وهو يمثل “مقياسا للضرر الذي لحق بالجيش الروسي”، خلال حملة استمرت سبعة أشهر وتوقع المسؤولون الروس أن تنتهي في غضون أيام، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.

ولم تقتصر انتكاسات بوتين على ساحة المعركة، فحملته الاقتصادية ضد أوروبا، والتي تهدف إلى تقويض دعم كييف من خلال تقليل إمدادات الغاز الطبيعي، لم تتسبب في الانقسامات التي كان يأملها، وبدلاً من ذلك، تتزايد المعارضة الدولية لتحركاته، حسب تقرير الصحيفة.

وتصف “نيويورك تايمز”، بوتين بأنه “محاصر وفي أخطر حالاته”، مستشهدة بتهديداته حول ” استخدام كافة الوسائل المتاحة للدفاع عن روسيا”، بما في ذلك الخيار النووي.

وشكل خطاب بوتين  تصعيدا مع الغرب، بعدما اتهم الدول الغربية بالسعي إلى تدمير بلاده وإخضاع موسكو لـ”ابتزاز نووي”.

وقال الرئيس الروسي “أود تذكير الذين يقومون بتصريحات كهذه بأن بلادنا تملك أيضا وسائل دمار مختلفة بينها وسائل أكثر تطورا من تلك التي تملكها دول حلف شمال الأطلسي”، مضيفا أن موسكو”ستدعم الاستفتاءات الوشيكة في أربع مناطق في أوكرانيا حول الانضمام إلى روسيا”.

وأشار الكرملين إلى “الهجمات المضادة الأوكرانية الجارية في الشرق والجنوب لاستعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا ستعتبر هجمات على الأراضي الروسية”.

وتشير “نيويورك تايمز”، إلى أن تلك التصريحات تهدف لـ”تبرير أي مستوى من الانتقام الروسي بما في ذلك الرد النووي”.

حرب واسعة أم مجرد خدعة؟

حسب “نيويورك تايمز”، فإن تصريحات بوتين تضع الغرب أمام معضلة، متسائلة “إلى أي مدى يمكن للدعم العسكري واللوجستي المكثف لأوكرانيا أن يقود لحرب بين الناتو وروسيا”؟

وعن ذلك تقول السفيرة الفرنسية السابقة في روسيا، سيلفي بيرمان، “أعتقد أن التهديد النووي مجرد خدعة، لكنه يعطي بوتين وسيلة لإرهاب الغرب، وإثارة الانقسامات حول توفير الأسلحة لأن البعض قد يعتبر ذلك الآن خطيرا للغاية”، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.

ومن جانبه يقول أستاذ الدراسات الإستراتيجية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، فيليبس أوبراين، إن الغرب لن يتراجع أو يصعد في مواجهة تهديدات بوتين.

ويشير إلى أن “أوكرانيا تبلي بلاء حسنا”، معتبرا أن “الاستمرار في مساعدة أوكرانيا على القيام بما تفعله يبدو منطقيا”، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.

ويشكك المؤرخ العسكري والاستراتيجي، إليوت كوهين، في أن وصول جنود الاحتياط إلى ساحة المعركة سيحدث فرقا كبيرا على الأرض”قريبا”.

وقال لـ”وول ستريت جورنال”، إنه لا يتوقع أن تكون العديد من القوات التي تم حشدها في مكانها في غضون ثلاثة أشهر “نظرا لأن هذا ليس التعبئة المنظمة بأي شكل من الأشكال ومع الأسئلة المتعلقة بالمعدات وما إلى ذلك”.

وتحدث عن أن “الكرملين مقيد أيضا من إعلان تعبئة أوسع للقوات، خوفا من أن يصبح الدعم الواسع للحرب هشا بمجرد إجبار الروس العاديين على الخدمة”، وفقا لقوله.

وفي سياق متصل، قال الزميل الأول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أندريه كوليسنيكوف، إن “التعبئة الكاملة ليست مخرجا لأنها ستخلق استياء حقيقيا”.

الغرب موحد

وبعد ساعات من الخطاب في موسكو، ندد الرئيس الأميركي، جو بايدن بـ “التهديدات النووية العلنية” لبوتين ضد أوروبا ، واصفا إياها بـ “المتهورة”.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال بايدن إن الغرب سيكون “واضحا وحازما وثابتا” في تصميمه وهو يواجه “الحرب الوحشية التي لا داعي لها لبوتين في أوكرانيا”.

وأكد أن بوتين “انتهك بوقاحة” ميثاق الأمم المتحدة عندما غزا جارته أوكرانيا، مضيفا أن القوات الروسية هاجمت المدارس وسكك الحديد والمستشفيات الأوكرانية كجزء من هدفها “إلغاء حق أوكرانيا في الوجود كدولة”.

وأشار بايدن إلى أن “لا أحد هدد روسيا على الرغم من زعمها عكس ذلك وأن لا أحد سوى روسيا سعى إلى الصراع، متعهدا باستمرار الولايات المتحدة في تضامنها مع أوكرانيا”، وفقا لـ”رويترز”

وحذر بايدن من أنه “لا يمكن الانتصار في حرب نووية، ولا يجب خوضها أبدا”، قائلا “نرى اتجاهات مقلقة، روسيا توجه تهديدات نووية غير مسؤولة لاستخدام الاسلحة النووية”، حسب “فرانس برس”.

وبعد سبعة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح حل الأزمة “أبعد من أي وقت مضى”، وباتت أصدائها “أكثر خطورة”، حسب “نيويورك تايمز”.

وربما لم يواجه القادة الأميركيون والروس بعضهم البعض بشكل واضح وحاد منذ أزمة الصواريخ الكوبية قبل ستة عقود بشأن “خطر الحرب النووية”، حسب الصحيفة.

وتستشهد “نيويورك تايمز”، بكلمة المستشار الألماني، أولاف شولتز، الذي قال إن الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يحاولون استخدام “كل الوسائل الممكنة” لمساعدة أوكرانيا “دون إحداث تصعيد لا يمكن السيطرة عليه”.

لكن العالم قد يواجه بالفعل “خطر هذا التصعيد، وربما بداية الحرب العالمية الثالثة”، بسبب “توصيف بوتين وتفسيره لتطورات الأزمة مع الغرب”، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.

Scan the code