التخطي إلى المحتوى



الإنسان.. الركن المكين للحضارة

الإنسان محور الحضارة وأهم الشروط الثلاثة لبنائها، والشرطان الآخران هما الوطن والزمن. في القرآن سورة كاملة باسمه «هل أتا على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا»، والإشارة إلى الإنسان لم تنقطع في 39 سورة. لقد كرمه الخالق سبحانه، ولكن أهانه المخلوق ليكسر بذلك قانون الكون كله والإنسان الأثمن فيه، وهو بالمطلق محكوم بهذا القانون «فمن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».
أي حضارة بشرية تتعامل مع الإنسان المجرد من حمولات الدين والجنس واللون والعرق والقومية والطائفة، تضمن الوصول إلى درجات متقدمة من الحضارة، هذا شرط لازم ولزوم ما يلزم، وإلا الناتج لا يسمى حضارة وسمه بعد ذلك ما شئت فغبار ذاك لا يمسحه عناء السنين.
و أخطر ما يحدث في دورة الحضارات هو انهيار الإنسان قبل العمران، ففي مرحلة ما يمكن أن نطلق عليه «لا إنسان» لأنه يرتكب ضده أفعالا يندى لها جبين الحيوان.
وقد تسمع أصواتا عالية للدفاع عن حقوق الحيوان أكثر أحيانا من حقوق الإنسان، بل ترى عقوقاً صريحا للإنسان ذاته لم يسبق له مثيل في التاريخ.
أما في العالم ما بعد «الربيع العربي» المخادع، فقد تضرر الإنسان أشد مما كان في السابق. في الوقت الذي يتقلص فيه الحديث عن حقوق الإنسان لدى العالم الأول، بعدما كان صوته عاليا للترويج والدفاع عن مشروعه الديمقراطي، بدا العالم الأول غير مبال بما يحدث في العوالم الخلفية من حروب إثنية ومجازر مخزية وأفعال تنكرها الفطرة.
تحول بعض الناس إلى شبح إنسان يتألم لأذى قطة ولا تقف له شعرة لقتل الملايين حول العالم بل قد يعلق سلبا ولا يتحرك رمشه بالرحمة.
وعندما أدركت حكومات العالم الأول بأن بعض الأنظمة الحاكمة في العالم الآخر، ما عادت تعير أدنى اهتمام لشعوبها، فقد تمادت في تجاهل ما يحدث من فظائع يتبرأ منها عالم البهائم..
خرج الإنسان من معادلة المصلحة وبقي شبحه سادرا بينها، وأسيرا لمتطلباتها التي تجعل منه ضحية بلا قيمة.
نذهب إلى فترة الحرب العالمية الأولى والثانية لكي نقابل «ستالين» أحد من تلطخت يداه بقتل الملايين، ومع ذلك لأن قلبه عندما رأى أحد جنوده قادما نحوه وقد اهترأ حذاؤه وتقطعت حباله وتمزق جلده، حتى خرجت أصابعه من خلاله، استغرب من وضعه أليس لديك حذاءا آخر؟! فأجاب: لا، فخلع القائد حذاءه فأعطاه وهو غير مصدق منه هذه اللفتة الإنسانية من داخل هذا الوحش الكاسر، فلم يسترح الجندي، بل زاد حماسا للعودة إلى ساحة المعركة من جديد بدل لحظة استراحة.
العالم أحوج اليوم إلى لفتة إنسانية ليعود إلى مكانه السليم في الألفية الثالثة، ويعيد الإنسان الحقيقي إلى بؤرة الحضارة ويمسح عنه الشبح الذي يطارده.
لقد أشار مولانا سبحانه إلى هذه الحالة الإيجابية في محكم آياته في سورة البقرة «وإن من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار..»
نحتاج إلى أنهار الإنسانية تخرق صلابة الحجارة التي تراكمت في قلوب بعض البشر وهم في غفلة عن الإنسان النهر المتدفق وليس الإنسان المتحجر.
* كاتب إماراتي

Scan the code