التخطي إلى المحتوى

يخضع تأثير حركة الصحوة الإسلامية المتعاظم، وتبعاتها إلى مبضع النقّاد، والمثقفين، ومن عايشوا تلك الحقبة. فـبالنسبة، للمشتغلين في حقول الثقافة والفكر، فإن تلك الظاهرة، تستوجب التوقف على مفاصلها، وتحليل خطابها، نظراً إلى تعاظم دورها اللافت في نشر التشدد، والانغلاق، ودوغمائية الأفكار.

لذا يبدو من الطبيعي أن تنبري أقلام أولئك المثقفين في تفكيك هذه الظاهرة، ومحاولة استيعاب ما أفرزته، إلى جانب تقديم المراجعات الموضوعية الكاشفة لحقيقتها، في محاولات توثيقية لظواهر تلك الحركة، ففهم الحاضر يستوجب قراءة الأحداث التاريخية ذات التأثير في ذهنيات الشعوب.

وفي الوقت الذي يبذل الباحثون جُلَّ جهودهم من أجل فهم خطاب الصحوة التحريضي في مشروع منهجي يرصد أفكار الحركة، لا تخلو اجتهاداتهم من تسرب ذواتهم، حتى وإن ادّعوا عزلها، وبالتالي تخرج المادة عن إطار المنهجية العلمية، الذي يُعَدّ شرطاً صارماً في اجتراح هذا النوع من الكتابة.

مراجعات فكرية.. نتائج غير واقعية

يرافق تلك الاجتهادات البحثية لفهم المتغيرات، سجالات فكرية في وجهات النظر وصور الطرح، هو ما بدا واضحاً في الأطروحة التي كتبها الباحث السعودي ناصر الحزيمي، بعنوان: مفتاح عالم الغذامي.. الذاتية ثم الذاتية، عبر المجلة العربية في عددها الأخير.

إذ سعى إلى تفنيد الرؤية التي قدمها الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه الممهور بعنوان ما بعد الصحوة تحولات الخطاب من التفرد إلى التعدد. تمنى الحزيمي في أطروحته المنشورة عبر المجلة العربية تريث المؤلف قبل نشر الكتاب.

الحزيمي – الغذامي .. سجالات الصحوة

يعلل الحزيمي أسباب التمني، بأن الغذامي في طرحه الذي يناقش جذور وامتدادات الحركة، غَلّب منطلقاته الذاتية على الموضوعية العلمية، ولم يُعِدّ إعداداً معرفياً رصيناً لتلك المادة التاريخية، بل اكتفى بمشاهداته الذاتية المحدودة، حسب وصفه، وهو الأمر الذي يتسبب بالوصول لنتائج غير واقعية.

الغذامي: الصحوة ظرف ثقافي

وفي سياق السجال الدائر حول تاريخية الظاهرة، يرى الغذامي من وجهة نظره أن الصحوة ليست إلا ظرفاً ثقافياً، حالها وصِفَتها مثل حال وصِفَة أي ظرف ثقافي آخر، لافتاً إلى أن كل ظرف يدخل مرحلة النضج فإنه يسود ويسيطر طويلاً على أشكال الحياة.

ويشير إلى أن ما قبل الصحوة، طفت على السطح مظاهر أفكار القومية – العروبية، بصفتها ظرفاً ثقافياً، بدءاً من عام 1956 حتى جاءت النكسة الشهيرة بـ “نكسة 1967″، تاركةً فراغاً عميقاً نتيجة شعور البلدان العربية بالهزيمة من قبل إسرائيل.

قياس الصحوة بالقومية غير واقعي !

لكن للحزيمي وجهة نظر في هذه المسألة، إذ يرى أن الغذامي حدد سبب الصحوة في نكسة 67، في حين أن هذا الأمر ينطبق على مصر وبعض البلدان العربية التي بلورت هُوِيّتها بالقومية، غير أن السعودية ودول الخليج لا تنطبق عليها هذه الحالة.

ويلفت إلى أن قياس الصحوة في القومية العربية وهو الاتجاه الذي ذهب إليه الغذامي في كتابه المنشور عن المركز الثقافي العربي في المغرب قياسٌ غير واقعيٍّ، ولم يكن المثال الذي عمد إلى توظيفه مثالاً موفقاً، حسب ما يعتقده.

الصحوة ليست ظرفاً ثقافياً

ويتجه الباحث الحزيمي، وكِلاهما عاصر إفرازات المرحلة، إلى أن ما ذهب إليه الدكتور الغذامي في توصيف مرحلة الصحوة بأنها ظرف ثقافي، متى ما انتفى ينتهي وجودها، بأنه أمرٌ معروفٌ لكنه ليس بدقيق، فإطلاق هذا النوع من الأحكام التعميمية، يتطلب السبر والتتبع، وإلا يصاب البحث بالسذاجة، حسب قوله.

لم يكتفِ ناصر الحزيمي بهذا القدر، بل تناول أطروحة الغذامي حتى من الناحية اللغوية، رغم أن الأخير يحمل درجة الأستاذية في النقد والنظرية في الأدب، إذ يقول: إن استخدام شرط الظرفية على حالة التحول، الذي عمد الباحث إلى طرحه، يعد استعمالاً غير دقيق، معللاً حالة اللبس بأنه لغوي – معنوي .

إذ يقول إن الغذامي اعتبر التحول حالة قدرية وواقعية، غير أن الحزيمي يرى أمر التحول بـالمعنوي الصرف، مجدداً التذكير في سياق أطروحته بالظروف الثقافية التي أشار إليها الباحث الأول، لافتاً إلى أنه لم يذكر ذلك الظرف الذي إن انتفى، تنتهي معه مرحلة الصحوة وتتحول إلى أمر لا يملك الحشد.

الغذامي وعوالم الذات

وأكمل الكاتب والباحث الحزيمي، الذي يصف نفسه بـ “القارئ ثم القارئ”، طرحه الذي أثار الجدل في دوائر المثقفين بأن مفتاح الدخول إلى عالم الدكتور عبدالله الغذامي، هو الذاتية ثم الذاتية، إذ يؤرخ الأحداث من خلال ذاته، ويحللها أيضاً عَبْر ذاته.

ويزيد بأن ما عايشه، أو أدركه هو المحدِّد للوقائع، وأسبابها عنده، معللاً الأمر بمثال وصفه بالمحدد يتضمن تأريخ الغذامي لظهور الصحوة، وتأريخها لأفول شمسها، إذ حدد ظهورها عام 1987، رغم أن الوقائع التاريخية تشير عكس ذلك، إذ تدلل على شيوعها في بداية السبعنيات، ورافقها بروز ملامح التدين، والتطرف.

الغذامي.. متجاهل لـ “التواريخ”

واختتم أطروحته بأن ما دعا الغذامي إلى تصوير هذه المرحلة الزمنية في أواخر الثمانينيات على أنها فترة بروز نجم الصحوة إلا أنه تجاهل التواريخ الأخرى كافة.

فهو حسب رؤية الحزيمي أراد الحديث عن تلك المرحلة برؤيته شاهداً للعيان، ومشاركاً في الحدث، وهو ما تسبب في تهافت خطاب كتابه، وجعله لا يصمد أمام شروط النقد العلمي.

Scan the code