التخطي إلى المحتوى

غيّر “تيك توك” سوق وسائل التواصل الاجتماعي وجذب أكثر من مليار مستخدم وأجبر المنافسين على تقليده، لكن أخيراً بدأ الخبراء يعبّرون عن مخاوف من أثر التطبيق على صحة المستخدمين العقلية.

ويُعرف الجيل Z من الشباب الصغار على نحو متزايد باسم “جيل تيك توك”، ويفضل هذه المنصة على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، إذ يعتبر 6 من كل 10 مراهقين أنفسهم مستخدمين يوميين.

ومع ذلك، تورد صحيفة “ذا غارديان” البريطانية نقلاً عن العالم في معهد “ماكس بلانك” للتنمية البشرية في برلين، فيليب لورينز سبرين، أنه “من المحرج أننا نعرف القليل جداً عن تيك توك وتأثيراته”.

ويقول الخبراء إن عدم فهم كيفية تأثير “تيك توك” على مستخدميه يثير القلق، نظراً لشعبيته الهائلة بين الشباب.

تسريبات ودراسات مخيفة

لا تُعتبر المخاوف بشأن تأثيرات الصحة العقلية لنشاط وسائل التواصل الاجتماعي جديدة، لكنها زادت في السنوات الأخيرة.

وفي عام 2021، على سبيل المثال، أظهر بحث داخلي في “إنستغرام” آثاره الخطيرة على الصحة العقلية للمستخدمين المراهقين، بما في ذلك زيادة معدلات اضطرابات الأكل بين الفتيات المراهقات، وهو ما أثار دعوات واسعة النطاق من أجل إخضاع المنصة لمزيد من القوانين.

ويستضيف “تيك توك” محتوى ضاراً مشابهاً، ويحذر الخبراء من مجموعة من الميزات المبتكرة للمنصة تثير المخاوف. إذ يعرض “تيك توك” المحتوى بطريقة تزيد المشاهدة لدقائق وساعات، كما أظهرت المستندات الداخلية المسرّبة في عام 2021.

وتشير الدراسات إلى أن طريقة عمل خوارزمية “تيك توك” قد تؤدي إلى ظهور آراء أكثر تطرفاً. إذ أظهر تقرير في عام 2021 أن أكثر من 70% من المحتوى المتطرف الموجود على “يوتيوب” تمت التوصية به للمستخدمين بواسطة الخوارزمية.

كما أن الخوارزمية تحفّز المستخدمين على مشاركة المحتوى الذي يجذب الانتباه والذي تروّجه المنصة.

تحديات خطرة

في السنوات الأخيرة، واجه “تيك توك” تدقيقاً شديداً إثر ظهور مجموعة من التحديات الخطرة التي تورط فيها عدد كبير من المراهقين. وأدى “تحدي بينادريل”، حيث يأخذ المشاركون كمية كبيرة من مضادات الهيستامين في محاولة لإنتاج تأثيرات مهلوسة، إلى وفاة واحدة على الأقل.

وتزعم دعوى قضائية جديدة أن “تحدي انقطاع التيار الكهربائي” أدى إلى وفاة العديد من الفتيات الصغيرات.

يقول المدير المشارك لـ”تراكين إكسبوزد” (منظمة حقوق رقمية تحقق في خوارزمية “تيك توك”)، مارك فضّول، إنه يبدو أيضاً أن “تيك توك” “أسرع من أي منصة أخرى في اكتشاف الاهتمامات”. فصفحة التطبيق For You تعرف رغبات مستخدميها واهتماماتهم جيداً، لدرجة أن النكات تقول إنها تعرف ميول المستخدم الجنسية أكثر منه.

يقول فضّول: “يوفر التطبيق تدفقاً لا نهائياً من التنبيهات، التي قد يكون من الصعب التعرف عليها، وتؤثر حقاً على المستخدمين على المدى الطويل.. لن يتسبب ذلك في إصابة أي شخص بالاكتئاب بين ليلة وضحاها، ولكن ساعات من الاستهلاك كل يوم يمكن أن يكون لها تأثير خطير على صحة المستخدم العقلية”.

التشخيص الذاتي

تظهر المخاوف الحقيقية على سلامة المستخدمين النفسية بشكل خاص من خلال الوسوم التي تسلط الضوء على بعض الاضطرابات، مثل قصور الانتباه وفرط الحركة، إذ حقق وسم #ADHD (اختصار المرض) وعياً متزايداً بالمرض، لكن آثاره السلبية لفتت نظر الاختصاصيين. إذ قام مستخدمون بتشخيص ذاتي لإصابتهم بالاضطراب بناءً على المحتوى المعروض على التطبيق.

وتضر المعلومات الطبية الخاطئة حول المرض بالمستخدمين، خاصة وأن المنصة تقبل أموال الإعلان من عدد من الشركات الناشئة في مجال الصحة العقلية الهادفة للربح مثل Cerebral.

ورفض “تيك توك” التعليق على الانتقادات المتعلقة بالتضليل الصحي والتشخيص الذاتي للمستخدمين بناءً على المحتوى الذي يظهر على التطبيق. كما رفض التعليق على شراكته مع شركة Cerebral الناشئة للصحة العقلية أو سياساتها بشأن المعلومات الطبية المستخدمة في الإعلانات.

“تيك توك” وعنصرية تضر بالصحة العقلية

لطالما اشتكى صُنّاع المحتوى السود على “تيك توك” من كون المحتوى الخاص بهم “محظوراً”، أو يتعرّض لخفض ترتيبه بواسطة الخوارزميات. وفي عام 2019 اعترفت إدارة “تيك توك” بفرض رقابة على مقاطع الفيديو من المستخدمين من ذوي الحاجات الخاصة أو أصحاب الوزن الزائد مثلاً، بحجة قمع التنمر.

وقالت باحثة الإنترنت في كلية المعلومات بجامعة ميشيغان، تشيلسي بيترسون صلاح الدين: “يتعين على الأشخاص الملونين على “تيك توك” التفكير باستمرار في الطرق التي تراقبهم الخوارزمية من خلالها”، “إن إلقاء العبء على الأشخاص المهمشين لمراقبة أنفسهم باستمرار أمر مرهق عقلياً وعاطفياً للغاية”.

“تيك توك” وكورونا

يقول الباحثون إن جائحة كورونا أوضحت تأثير المنصة على حياة المستخدمين، خصوصاً صغار السنّ. عندما ضرب فيروس كورونا العالم ودخل في حالة إغلاق، انفجر استخدام “تيك توك”. كان التطبيق مليئاً بالشباب الذين ينشرون أخباراً عن الطرق التي أدى بها الوباء إلى قلب حياتهم.

أدى ذلك إلى ظهور مقاطع فيديو شعبية تستخدم لهجة ساخرة، لمشاركة قصص شخصية مدمرة في كثير من الأحيان.

مثلاً، فيديو “أشياء قالها لي الناس على الإنترنت بعد وفاة أختي بسبب الإدمان” حصد 3.5 ملايين مشاهدة، ويظهر فيه مستخدم يرقص على موسيقى وأضواء مبهجة، بينما الكلام المرافق مأساوي.

يقول أحد المستخدمين في أحد مقاطع الفيديو المنتشرة: “أعتقد حقاً أنه بعد سنوات من الآن سوف يندم الناس بشدة على التخلص من الصدمات على تيك توك”. ويضيف أن مثل هذا المحتوى من غير المرجح أن تتم مشاركته على “فيسبوك” و”يوتيوب”، فـ”ما الذي يميز “تيك توك” الذي يدفع الناس للكشف عن أعمق وأقذر أسرارهم؟”.

يتفق الخبراء على ذلك، قائلين إن هذه الأنواع من مقاطع الفيديو يمكن أن تقدم الدعم وطريقة مبتكرة للتعامل مع الحزن، إلا أنها قد تؤدي أيضاً إلى صدمة إضافية.

ماذا يفعل “تيك توك” لإصلاح الوضع؟

قدم “تيك توك” في مارس/آذار 2021 أدوات جديدة “لتعزيز اللطف” على التطبيق، بحيث تتيح للمستخدمين تصفية البريد العشوائي والتعليقات المسيئة بسهولة أكبر. كما أضافت نافذة منبثقة تلقائية للمستخدمين الذين يتركون التعليقات التي يحتمل أن تكون مخالفة وتطلب منهم “إعادة النظر”.

وتعلّق المسؤولة في “تيك توك”، تارا وادوا، بأن “هدفنا هو تعزيز بيئة إيجابية حيث يدعم الناس بعضهم البعض ويرفعون بعضهم البعض”، كما تنقل عنها “ذا غارديان” البريطانية.

ويقول الطبيب الباحث في تأثير التكنولوجيا على الأطفال، مايكل ريتش، إن هذه كانت البداية فقط، وهناك حاجة إلى مزيد من الشفافية، إذ “يحتاج المشرعون وهذه الشركات إلى زيادة الاستثمار في فهم العلاقة بين الطبيعة البشرية وهذه المنصات”. ويضيف: “نحن بحاجة إلى مزيد من المعلومات لاتخاذ قرارات مستنيرة حول الكيفية التي سنساعد بها الشباب على فهم كيفية استخدامها بشكل مدروس وعقلي، أو عدم استخدامها على الإطلاق”.

Scan the code