التخطي إلى المحتوى

خلال أسبوع تقريبا، استعادت القوات الأوكرانية من نظيرتها الروسية، مناطق يتجاوز مجموع مساحتها 3 آلاف كيلومتر مربّع منذ بدأ هجومها المضاد مطلع الشهر، بحسب ما أعلن مسؤولون أوكرانيون، الأحد، في تطورات اعتبرها خبراء تحدثوا لموقع “الحرة” بمثابة “نقطة تحول” أو بداية لمرحلة جديدة في الحرب، المستمرة منذ نحو مئتي يوم. 

وشنت القوات الأوكرانية هجوما مضادا، واسع النطاق، في منطقة خاركيف، التي تحيط بثاني أكبر مدن أوكرانيا في الأيام القليلة الماضية، واستعادت السيطرة على عشرات البلدات والقرى من روسيا في هجوم خاطف. 

كان البداية من بالاكليا، التي كان تطويقها مجرد بداية مشكلات روسيا، ثم تمكن الأوكرانيون من تحريرها بعد يومين من القتال في شوارع المدينة. 

وبالتزامن، كانت القوات الأوكرانية تتقدم شرقاً عبر فولوخيف يار، وشيفتشينكوف، وأخيراً نحو كوبيانسك، وهي مركز رئيسي للسكك الحديدية لتزويد القوات الروسية إلى الجنوب. 

وبحلول الثامن من سبتمبر، بدأ القتال من أجل كوبيانسك. وأظهرت صورة تم تداولها بعد يوم واحد جنودًا يقفون بجانب لافتة على الحافة الجنوبية. وأصيب المعلقون العسكريون المؤيدون لروسيا بالذهول، واتهموا القيادة العليا للبلاد بالخيانة.

وقال الأكاديمي السوري المقيم في العاصمة الروسية، موسكو، لموقع “الحرة”: “بلا شك التقدم الأوكراني الأخير والهجوم المضاد كان كبيرا جدا، وليس عاديا، لأنهم بسرعة هائلة استطاعوا استرجاع مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة من القوات الروسية التي كانت قد دخلت العمق الأوكراني”. 

هجوم أوكراني مضاد

وقد أكد قائد الجيش الأوكراني، صباح الأحد، أن قواته استعادت من القوات الروسية مناطق يتجاوز مجموع مساحتها ثلاثة آلاف كيلومتر مربّع، منذ بدأ الهجوم المضاد مطلع الشهر.

وهذا الرقم أكبر بنسبة الثلث من إجمالي المساحة التي أعلن عنها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي في وقت متأخر، السبت. 

وقال في تسجيل مصوّر نشر على الإنترنت “عاد العلم الأوكراني العظيم إلى تشالوفسكي. وسيكون الحال كذلك في كل مكان. سنطرد المحتلين من كل بلدة وقرية أوكرانية”.

وفي محيط بالاكليا، إحدى أولى البلدات التي استعادتها القوات الأوكرانية، شاهد مراسلو فرانس برس أدلة على وقوع معارك شرسة، إذ بدت المباني مدمّرة أو متضررة والشوارع مقفرة.

وشوهدت صناديق ذخيرة ومعدات عسكرية مهجورة متناثرة، في مناطق غادرتها القوات الروسية، بحسب صور نشرها الجيش الأوكراني.

وأفاد الجيش الأوكراني في تعميم بشأن الوضع الميداني أن “تحرير البلدات جار في منطقتي كوبيانسك وإيزيوم التابعتين لمنطقة خاركيف”.

فشل الحملة الروسية

واعتبر الباحث السوري في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، سمير التقي، في حديثه مع موقع “الحرة” أن تمكن القوات الأوكرانية من استرجاع مساحات كبيرة، خلال وقت قصير، يظهر عدم قدرة الجيش الروسي، بشكل أساسي، على إعادة تنظيم نفسه، وتلافي العيوب الجوهرية التي ظهرت في عمله خلال هجومه بمراحله الأولى. 

وقال إن “المرحلة الأولى كانت عبارة عن هجوم كاسح للسيطرة على كامل أوكرانيا من خلال الوصول إلى العاصمة كييف، لكنها فشلت، فأتت المرحلة الثانية التي كانت عبارة عن سياسة “القضم التدريجي”، لكن الرد عليها كان الهجوم المعاكس الناجح من قبل الأوكرانيين”. 

وأوضح أن “سياسة “القضم التدريجي” التي نفذتها روسيا في سوريا ونجحت فيها، فشلت في أوكرانيا لأن الجبهة كبيرة، والقوات الروسية لم تتمكن من الحشد الكافي في الأماكن المناسبة من أجل منع هجوم معاكس، وصار هناك علامة استفهام كبرى بشأن قدرة روسيا على الاستمرار في الحرب، ضمن الأهداف التي خططت من أجلها، وشنت بسببها الحرب”. 

وقال الحمزة لموقع “الحرة”: إن “القوات الروسية وصلت إلى مشارف العاصمة كييف في البداية وتراجعت وقالوا حينها إن تراجعها لأنها تريد أن تعطي دفعة للمفاوضات، لكن تبين في الحقيقة أن روسيا تكبدت خسائر كبيرة بعد أن فوجئت قواتها بأن الأوكرانيين هيأوا حالهم ولديهم أسلحة حديثة وإرادة للقتال والدفاع عن أراضيهم”. 

وأضاف: “الآن القادة العسكريون الروس يبررون ما يحدث بأنهم يعيدون توزيع وانتشار القوات، لكن الناس يعرفون أن المسألة ليست كذلك، وأن الأوكرانيين استرجعوا هذه المناطق بالقوة، والروس تراجعوا بشكل كبير وفشلوا في صد الهجوم الأوكراني”. 

ولم يصدر أي رد فعل رسمي روسي على المكاسب التي تحققها القوات الأوكرانية، لكن خريطة لخاركيف عرضتها وزارة الدفاع الروسية خلال إحاطتها اليومية، الأحد، بيّنت انسحاباً كبيراً للجيش الروسي من هذه المنطقة.

وأظهرت الخريطة المعروضة في فيديو الإحاطة أنّ الجيش الروسي لم يعد يسيطر، الأحد، سوى على جزء صغير من الأراضي الواقعة في شرق منطقة خاركيف خلف نهر أوسكول.

وكانت الوزارة عرضت السبت خريطة بيّنت أنّ الجيش الروسي كان يحتل مناطق أكبر بكثير في تلك المنطقة.

في الأثناء، صدر إعلان مفاجئ عن الجيش الروسي، السبت، مفاده بأنه “يعيد تجميع” قواته من خاركيف إلى منطقة دونيتسك جنوبا للتركيز على الجهود العسكرية هناك.

لكن الإعلان جاء بعد وقت قصير من تأكيد موسكو أنها ترسل تعزيزات باتّجاه خاركيف.

وأفادت مجلة “إيكونوميست” أن الضابط السابق في جهاز الأمن الروسي، إيغور جيركين، الذي قاد القوات المدعومة من روسيا في المعركة الأولى للحرب الروسية الأوكرانية عام 2014، كتب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لم تسمه، أن الوحدات الأوكرانية تشن غارات في عمق الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، مضيفا أن هناك ارتباكا للقوات الروسية هناك وأن “كل شيء دمر”. 

وتشير منصات التواصل الاجتماعي الأخرى التي يتردد عليها محللون روس، بحسب المجلة، إلى أن هناك سباقًا الآن لإرسال احتياطيات لمنع تدهور الوضع أكثر، حيث نشر الجيش الروسي لقطات لبنادق ومركبات تتجه نحو الخطوط الأمامية.

ويرى الحمزة في حديثه مع موقع “الحرة” أنه منذ ستة أشهر، لم يستطع الروس أن يسيطروا على خاركيف، رغم أن معظم سكانها يتحدثون اللغة الروسية، مما يعني أنهم موالون لروسيا، والآن هم العكس.

وأوضح أنه “في القرى والمدن التي استولت عليها روسيا لم يستطيعوا أن يكسبوا تعاطف وتأييد سكانها إلى جانبهم، ولذلك فإن الأوكرانيين استطاعوا التقدم بسرعة هائلة، بفضل الدعم الغربي الكبير والسلاح المتقدم، لكن الأهم هنا هو إرادة الجيش الأوكراني الذي يقاتل من أجل قضية واضحة، بعكس الروس الذين دخلوا المعركة بهدف (محاربة النازيين)، والدفاع عن روسيا لا يأتي من خلال الحرب على أوكرانيا، كما بدأ الجنود يقتنعون بذلك”. 

وأضاف ان معنويات الجنود الروس تنخفض مع مرور الوقت، وغابت عنهمالدوافع الكبيرة التي كانت موجودة في البداية، التي حشدت من خلال الدعاية والإعلام،والتعبئة العامة بأنهم يقاتلون في أوكرانيا من أجل الدفاع عن روسيا، لكنهم بدأوا يقتنعون أن الأمر ليس كذلك”.

ويشير التقي، بدوره، إلى أنه خلال الحرب، “ظهرت عيوب أساسية في منظومة التسليح الروسية، لكن الفشل الجوهري هو أنه قد تكون الأسلحة جيدة لكنها غير قادرة على أن تقوم بمهام مشتركة وطويلة الأمد، وليست مدعومة بالصيانة اللازمة، وتستهلك وقودا كبيرا وهناك مخاطر كبيرة على الطيارين، بالإضافة إلى أن روسيا تعاني أساسا من قلة الطيارين”. 

وأوضح أن “العيب الأساسي يكمن في الفشل في إدارة عمليات عسكرية معقدة تتشارك فيها المدفعية مع المشاة مع الطيران مع المروحيات مع أجهزة الدفاع الجوي، هذه الآلية أصبحت بالنسبة للجيش الأميركي على سبيل المثال والجيوش الحديثة متكاملة ويتم ضبطها عبر آليات تواصل مضمونة وإدارة معلومات بشكل جيد، وباتت كل تلك المنظومات والقوات تعمل كأنها سلاح واحد وجسم واحد، لكن هذه البنية العسكرية والتناسق والتناغم والتنسيق والإدارة الجيدة لكل هذه القوات في آن واحد غير متوفرة لدى روسيا”. 

أما النقطة الثانية فيما يتعلق بالمشكلات التي تواجه الحملة الروسية، فتتمثل في “اللوجستيات، إذ ظهر أن الأسلحة الروسية بعضها فعلا متقدم، لكنها تتطلب لوجستيات عالية، مع نسبة أعطال مرتفعة، وهو ما يتطلب وجود مهندسين إلى جانب الدبابات والأسلحة، لكن هذه الإمكانيات كلها لم يتم حشدها، ولم تكن جاهزة لعملية الغزو”. 

يؤكد المحللون على أن إمداد أوكرانيا بالأسلحة الغربية، ساهم في كبح جماح الروس والحد من هجومها والسيطرة على مناطق أكبر بكثير. 

وقال التقي: “ثبتت جدوى الإمداد بالتسليح الغربي المهم، باعتراف الأوكرانيين والروس، بما فيه النظام البريطاني المضاد للدبابات، والمسيرات البريطانية التي تعمل تحت الماء من أجل نزع الألغام، مما أمكن عمليا إطلاق حرية الحركة للبحرية الأوكرانية نسبيا، وفي المقابل شل قدرة البحرية الروسية في البحر الأسود”. 

حركة الملاحة في البحر الأسود

كما أن لدى الروس مشكلة كبيرة، هي عدم توفر مسيرات لديها قدرات كافية ومتقدمة، لدرجة أن مسيرات بدائية مثل بيرقدار التركية أمكنها تحييد سلاح الدبابات في بعض المناطق، بحسب التقي. 

“المصيبة الروسية”

ويرى التقي أن لجوء روسيا للحصول على طيارات من دون طيار من إيران “دليل على المصيبة الروسية، خاصة أن موسكو تعلم أن أوكرانيا تمتلك طائرات بيرقدار التركية، التي تمكنت من إلحاق أضرار بما يساوي ملياري دولار من الأسلحة الروسية، التي كانت تمتلكها أرمينيا خلال حربها مع أذربيجان نهاية عام 2020”.

وأضاف أن “هناك قصورا في الاستعداد للحرب من قبل روسيا بدليل السعي للحصول على خدمات مسيرات إيرانية أشبه بما هي موجود في السوق الآن في الولايات المتحدة، مما يدل على أن الموضوع يصل إلى حد الهزل”.

ويرى الحمزة أن “الأسلحة الغربية تلعب دورا لا يقل أهمية عن صمود الجيش الأوكراني، وقد يكون القادم أعظم لأن الأوكرانيين لم يستخدموا كل ما لديهم والروس أيضا لديهم قدرات عسكرية كبيرة لم يستخدموها”. 

“نقطة تحول”

لكن التقي يعتبر أن الهجوم العسكري الأوكراني المضاد، الذي نجح في تحرير الآلاف من الكيلومترات بمثابة “نقطة تحول” في الحرب، مشيرا إلى أن الوضع الراهن سيمضي بالمعركة إلى الوصول إلى حالة وقف لإطلاق النار، وإما حرب خنادق أو استنزاف دون مفاوضات ولا سلام ولا موافقة الأطراف.

وقال التقي لموقع “الحرة”: إن “القيادة العسكرية الروسية لها تقاليد وإمكانات وغيرت تكتيكاتها فعلا، لكن ما هو نوع الاستراتيجيات التي يمكنها أن تنفذها الآن، فهي لم تنجح في سياسة الاكتساح العسكري السريع لكييف، ولا القضم البطيء، ولم ينقصها الآن سوى حرب الاستنزاف للمحافظة على ماء الوجه السياسي لبوتين، إلا إذا اتجه للحروب المجنونة مثل سلاح نووي تكتيكي، لكن هذا يعني انتحارا له ولروسيا، لأن العالم كله حينها سينتفض بلا شك، وستكون كارثة كبرى”. 

“حرب استنزاف”

وأضاف أنه “في حالة حرب الاستنزاف، ستستمر المعركة لمدة طويلة، ودون تقدم القوات الروسية، التي أصبح من الصعب أن تتحرك، نتيجة أن الضربة الصاعقة التي أرادتها تم تجاوزها وأصبح من الصعب على روسيا أن تعيد تنظيم قواتها، مالم تستخدم قوى فائقة”. 

من جانبه يرى الحمزة أن استعادة القوات الأوكرانية لعدد كبير من البلدات والقرى “ليس تحولا استراتيجيا في المعارك، لكنني أعتقد أنه بداية لمرحلة جديدة في العمليات العسكرية بالنسبة للجانبين”. 

ويوضح أنها “بالنسبة للأوكرانيين، فإنها بداية عمليات هجومية كبيرة لاسترجاع المناطق الأخرى، وأيضا لاستنزاف القوات الروسية، ومن الحتمي للروس الآن إعادة حساباتهم والتخطيط على قدر استطاعتهم، بمعنى أنه بات من الصعب التفكير في السيطرة على مناطق جديدة وهم غير قادرين على الحفاظ على المناطق التي استولوا عليها سابقا، خاصة أنهم يحاربون على أراض ليست تابعة لهم، مما يعني أن حمايتها والدفاع عنها يتطلب جهدا إضافيا”. 

ويضيف أن على روسيا أن تحاول كسب تأييد سكان المناطق التي تسيطر عليها في أوكرانيا، وهو ما يستدعي أن توفر لهم المؤن الغذائية والمعيشية، وهذا عبء على موسكو، خاصة أنها تخضع لعقوبات غربية هائلة، وهو ما ينعكس أيضا على معنويات الجنود، لأن أسرهم تعاني من غلاء المعيشة والظروف الاقتصادية الصعبة، وهم يتراسلون مع ذويهم ويدركون أن الوضع ليس كما كان قبل ستة أشهر، بعكس الأوكرانيين، الذين لديهم الآن دعم كبير جدا ويبدو أنهم مرتاحين أكثر”.

ويتابع الحمزة: “بتقديري أنها ستتحول إلى حرب استنزاف، وهذا أصبح الأمر الواقع، لأنه من الصعب على الروس أن يفكروا بالتقدم حاليا أو التوغل في الأراضي الأوكرانية وإلا سيواجهون صعوبات ومشكلات كبيرة، فضلا عن كون الأراضي التي سيطروا عليها في خطر، بل قد تفتح جبهات جديدة مثل خيرسون، إذ أكد زيلنسكي، أكثر من مرة، بأنه لن تم القبول إلا بتحرير الأراضي، وفي نفس الوقت، فإن الروس متمسكون بالمناطق الشرقية والغربية التي سيطروا عليها، وبالتالي الأمر الواقع يقول أن المعركة ستطول وتتحول إلى حرب استنزاف”. 

لكن الحمزة يحذر من أن الروس إذا “حشروا في الزاوية فقد يستخدمون أسلحة أكثر فتكا، وقد يصل الأمر إلى استخدام محدود للأسلحة النووية، ولا أستبعد ذلك أبدا”، وفق تحليله.

Scan the code