التخطي إلى المحتوى

أعادت “بي بي سي”، السبت، التذكير بقضية امرأة أميركية تكافح من أجل “تحرير” ابنتها، بعد طلاقها من زوجها السعودي، ومواجهة صعوبات بحضانة طفلتها، وذلك بعد قدومها إلى السعودية لزيارة زوجها وعائلته.

وأصبحت والدة كارلي، دينيس وايت، تشعر بقلق متزايد، و”تعتقد أن الأهمية الاقتصادية والسياسية للسعودية تعني أن الدبلوماسيين الأميركيين يترددون في التصرف” بشأن قضية ابنتها وحفيدتها تالا.

وتحدثت إلى بي بي سي من منزلها في كاليفورنيا، وقالت وايت إنها “قلقة للغاية بشأن تعليم حفيدتها، بعد أن قيل لها إن تالا لم تذهب إلى المدرسة خلال السنوات الثلاث الماضية”.

وفي سبتمبر الماضي، نشرت فرانس برس تقريرا مفصلا عن المرأة التي تدعى كارلي موريس، وقالت إنها “وصلت إلى السعودية صيف 2019 برفقة ابنتها لتتعرف الطفلة على عائلة أبيها، لكنها لا تزال منذ ذلك الحين عالقة هناك ودخلت في صراع قانوني في المملكة، حيث يمنح نظام الولاية الآباء سلطة مطلقة على أطفالهم”.

وتتشابه قصة موريس البالغة 34 عاما وابنتها تالا (8 سنوات) مع قصص أمهات أجنبيات أخريات يواجهن بعد طلاقهن في السعودية خيارا صعبا بين حريتهن الشخصية والبقاء بجانب أولادهن، بحسب محامين وحقوقيين.

وتعرفت كارلي، التي اعتنقت الإسلام بعمر 17 عاما، عبر الإنترنت على طليقها السعودي المبتعث في الولايات المتحدة في 2013 وأحبت كونه “مسلما ومحافظا”.

انفصلا في 2018 وعاد لبلاده حين كانت ابنتهما تبلغ 4 أعوام، لكنه عاد وأقنعها بالسماح للطفلة بزيارة عائلته لشهر واحد فقط، وفقا لفرانس برس.

وتقول بي بي سي إنه “في البداية بدا كل شيء على ما يرام عندما وصلت، كارلي موريس، إلى السعودية مع ابنتها تالا. وكان طليقها (والد الطفلة) قد رتب تأشيرة لمدة ثلاثين يوما لكليهما، حتى يتمكن والديه من مقابلة حفيدتهما لأول مرة”.

وتضيف أنه في “الفندق الذي حجزه زوجها السابق لها ولتالا، كانت غرفتهم بدون نوافذ أو اتصال بالإنترنت وهاتفها المحمول لا يعمل هناك، وسرعان ما بدأت كارلي بالقلق”.

وقالت الأم المقيمة بمدينة بريدة في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس إن طليقها صادر كافة أوراقهما الثبوتية بعد أيام من وصولهما للمملكة. وتابعت بحسرة: “بنهاية 2019 حصلت ابنتي على الجنسية السعودية لتبدأ مأساتي”.

وبين ليلة وضحاها باتت الصغيرة تالا مواطنة سعودية تخضع لنظام الولاية الذي يمنح الأب سلطات مطلقة على أطفاله وخصوصا في مسألة السفر خارج البلاد.

ورغم حصول موريس على حضانة ابنتها من محكمة سعودية في مايو 2022، باتت الأم عالقة في السعودية، حيث لا تتكلم العربية ولا يحق لها العمل.

كما لم تحصل على وثيقة هوية ابنتها السعودية، ما يمنعها من تسجيلها بالمدرسة أو الحصول على الرعاية الصحية اللازمة لها.

وبعدما أنفقت مدخراتها وتخطت الحد الأقصى لبطاقتها الائتمانية، اضطرت موريس لطلب المساعدة عبر الإنترنت، حسب تغريدات تابعتها فرانس برس قبل أن تحذفها.

وقالت باكية: “أعيش في وضع غير إنساني.. إنني مضطرة لاقتراض المال من الغرباء وقبول تبرعات” بعدما توقف زوجها عن توفير الطعام لهما مؤخرا مكتفيا بدفع الإيجار الشهري للشقة التي تقيمان فيها.

وهي تعتقد أن زوجها يضغط عليها ليجبرها على الرحيل دون ابنتها لكنها تؤكد بنبرة تحدّ “لن أغادر هذا البلد دون ابنتي”.

وبعد سعي الأب لإعطاء ابنته الجنسية، اعتبرت تالا، التي ولدت وترعرعت في أميركا، مواطنة سعودية، وهذا يعني أنه بموجب نظام ولاية الرجل، لا يمكنها مغادرة البلاد ما لم يوافق والدها السعودي، وفقا لبي بي سي.

ومنذ تسلم الأمير محمد بن سلمان، منصب ولي العهد في 2017، تشهد السعودية انفتاحا اجتماعيا بعد عقود من الإغلاق والقيود المشددة التي فرضت خصوصا على النساء، وفقا لفرانس برس.

وقلصت المملكة خلال السنوات الأخيرة قواعد “الوصاية” التي تمنح الرجال سلطات واسعة على النساء من عائلاتهم، فسمح لهن بالعمل والسفر.

لكن منظمات حقوقية تشير إلى أن النساء ما زلن يحتجن إلى إذن أوليائهن الرجال للزواج ويواجهن تمييزا في ما يتعلق بالطلاق وخلافات الحضانة.

وتنقل بي بي سي عن كارلي قولها إن “زوجها السعودي السابق بدأ في أخذ تالا كل صباح ولم يعيدها إلا في وقت متأخر من المساء. بقيت وحيدة طوال اليوم في غرفتها بالفندق مع القليل من المال (…) وبعد نحو عامين من مناشدتها له أن تأخذ ابنتهما، إلى أميركا، بدأت كارلي في الكتابة إلى أعضاء الكونغرس الأميركي وآخرين ممن كانت تأمل في مساعدتها (…) وهذا، كما تقول، أغضب زوجها السابق”.

وبعد معركة قضائية طويلة، مُنحت كارلي أخيرا الوصاية على تالا، لكن طُلب منها ألا تغادر المدينة السعودية التي تقيم فيها، ناهيك عن البلد نفسه. وتقول إنها أصبحت سجينة داخل أسوار بدون أموال خاصة بها. وتم الاتصال بالسلطات السعودية وزوج كارلي السابق للتعليق لكن لم يردوا على بي بي سي.

وفي سبتمبر الماضي، تلقت كارلي استدعاء من النيابة السعودية لمواجهة اتهامات “بالإخلال بالنظام العام”، وهو تطور تعتقد موريس أنه مرتبط بتغريدات انتقدت فيها نظام الولاية السعودي. ولاحقا، حظرت السلطات سفرها بحسب مذكرة إلكترونية اطلعت عليها فرانس برس.

ولم ترد أسرة طليق موريس على اتصالات فرانس برس للتعليق على الأمر.

وقالت المسؤولة في مؤسسة حقوق الإنسان ومقرها نيويورك، بيثاني الحيدري، إن “حالة كارلي وتالا للأسف ليست حالة منعزلة”. وتابعت: “هناك عدد لا يحصى من النساء والأطفال العالقين في ظروف مهينة مماثلة في السعودية”.

وقالت المصرية، فاطمة (36 عاما)، المتزوجة من سعودي منذ 15 عاما، مفضلة استخدام اسم مستعار بسبب حساسية المسألة، إنها “سجينة من أجل أطفالها”. وأوضحت الأم لثلاثة أطفال أنها لم تتعرض للإساءة لكن زواج رجلها مجددا همشها تماما.

وتابعت: “أردت الطلاق والعودة لبلدي لتربية أبنائي لكن زوجي اشترط عودتي بمفردي”. وأكدت باكية “لن أترك أبدا أطفالي وأغادر”.

وتحدثت فرانس برس مع والدتين أميركيتين تواجهان نفس معضلة موريس، وقد اشتكت النساء الثلاث من تعقيد إجراءات التقاضي المتعلقة بالأسرة في السعودية.

وأفادت السفارة الأميركية في الرياض فرانس برس بأنها تتابع قضية موريس “عن كثب” وأنها “على اتصال دائم مع موريس والحكومة السعودية”.

وأرجعت المحامية السعودية، نسرين الغامدي، قرار بلادها عدم السماح للأمهات الأجنبيات بحضانة أطفالهن في بلادهن إلى أن “الدولة تحمي أبناءها السعوديين لتجنب تعرضهم لمشكلات بالخارج”.

ومن أصل 139 ألف زواج في 2020، سجلت السعودية حسب الأرقام الرسمية 4500 حالة زواج أحد طرفيها أجنبي وهو أمر يتطلب الحصول على تصريح رسمي خاص.

كما سجلت في العام ذاته نحو 4200 حالة طلاق أحد طرفيها أجنبي من أصل 50 ألف حالة طلاق بالإجمال، وارتفعت حالات الطلاق في السعودية بنسبة 12,7 في المئة مقارنة بالعام السابق.

ولم ترد هيئة حقوق الإنسان السعودية على طلبات فرانس برس للتعليق على قضية موريس وغيرها.

Scan the code