التخطي إلى المحتوى

أعاد تقرير نشرته وكالة “رويترز” ومقالة نشرها صحفي تركي مقرب من الحكومة الحديث مجددا عن محطات العلاقة بين تركيا والنظام السوري، بعدما شهدت الأسابيع الماضية كمّا كبيرا من التحليلات وتقديرات الموقف، والتي صدرت عقب “فصل جديد” أشار إليه المسؤولون الأتراك.

وكتبت “رويترز”، الخميس، أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي، حقان فيدان عقد أكثر من لقاء مع نظيره السوري، علي مملوك في الأسابيع القليلة الماضية.

ونقلت عن مصدر من بين 4 مصادر لم تسمها أن “الاجتماع الأخير عقد هذا الأسبوع”، وأن الرجلين تحدثا عن “كيفية لقاء وزيري خارجية البلدين”.

وفي وقت لم يصدر الجانب التركي أي تعليق، وكذلك الأمر النظام السوري نشر الصحفي المقرب من الحكومة عبد القادر سيلفي مقالة في صحيفة “حرييت”، تحدث فيها أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان “أبدى رغبته” في لقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وعبّر إردوغان عن هذا الموقف في اجتماع مغلق لحزب العدالة والتنمية الحاكم، يوم الاثنين، وفق سيلفي، مشيرا إلى أن الرئيس التركي قال: “أتمنى لو كان الأسد قد جاء إلى أوزبكستان، لكنت تحدثت معه. لكنه لا يستطيع الحضور إلى هناك. هو ذهب إلى الحرب مع المنشقين للحفاظ على سلطته. اختار حماية سلطته. وكان يعتقد أن يحمي المناطق التي يسيطر عليها، إلا أنه لم يستطع حماية مناطق واسعة”.

“محطة سوتشي”

وعلى مدى الأسابيع الماضية أثير الكثير من الجدل، بعدما اتجه مسؤولون أتراك، على رأسهم وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو ومن ثم إردوغان للحديث عن علاقة  بلادهم بالنظام السوري، فيما ألمحت كلماتهم عن “تغير قد طرأ”، وفق مراقبين.

وكان لمحطة “سوتشي” الدور الأبرز في كل ما حصل، إذ أن “التغيّر” بدا لافتا عقب اللقاء الذي جمع إردوغان بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في الخامس من أغسطس الماضي.

وقد شهد اللقاء الثنائي طرح بوتين على إردوغان “مقاربة”، مفادها أن تركيا وفي حال تريد تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا يجب أن “تتحدث بخصوصها مع النظام السوري”.

واعتبر الكاتب التركي سيلفي أنه “مثلما لا توجد صداقات أبدية بين البلدان فلا توجد عداوات أبدية”، وأن الاجتماع الأخير بين الزعيمين أعطى مؤشرا على “تغيير في سياسة تركيا تجاه الأسد”.

كما أضاف أن كلمات الرئيس أردوغان بأنه “ليس لدينا مشكلة في هزيمة الأسد أو لا” تشير أيضا إلى أن “حقبة جديدة قد دخلت”، ذاهبا للإشارة إلى “حركة حقان فيدان التي تسارعت في دمشق”، وأن “العودة الآمنة للاجئين السوريين قيد التفاوض الآن”.

ورغم أن “التغير في السياسة التركية” تجاه النظام السوري بدا أمرا واقعا على الأرض إلى حد ما، إلا أن “مسارات إعادة العلاقات” تبدو وحتى الآن “غامضة”، وفق مراقبين.

وبموازاة ذلك تسود تكهنات عما ستشهده الأيام المقبلة، وما إذا كانت أنقرة ودمشق ستحققان أي “خرق”، مع النظر إلى القضايا الشائكة بينهما، فضلا عن سؤال آخر يتعلق بالتواصل الاستخباراتي الذي تطور إلى مستويات غير مسبوقة، بوصول فيدان إلى العاصمة السورية، إن صحت تقارير “رويترز”.

ولا يرى الصحفي والباحث التركي، ليفانت كمال أن المحادثات رفيعة المستوى بين الاستخبارات التركية والسورية “أمرا حصريا”، إذ بدأت منذ عام 2015، واستمرت حتى في أثناء العمليات التركية في سوريا.

يوضح كمال لموقع “الحرة”: “كانت هناك مفاوضات مستمرة على المستوى الاستخباري بين تركيا ونظام الأسد. ومع ذلك، لم يكن هناك اجتماع دبلوماسي على المستوى الوزاري حتى الآن”.

مع ذلك، “قد نرى اجتماعا على مستوى وكلاء الوزراء في المستقبل”، وفق الباحث لكنه يرى أن “الوقت ما زال مبكرا”.

ولكي تحدث هذه الخطوة يضيف كمال: “يجب على نظام الأسد أن يقول نعم للحل السياسي دون قيد أو شرط”.

وهذه الكلمة (نعم) تجعل منها تصريحات وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد “أمرا صعبا”، وهو الذي كان قد تحدث من العاصمة موسكو، قبل أسابيع أن “دمشق لديها استحقاقات وليست شروطا”.

وطالب المقداد بأن تنسحب تركيا من شمال سوريا، وأن “لا تبقى حتى في ميليمتر واحد على الأراضي”.

يشير المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف إلى أن كلمات المقداد كانت “التصريح الوحيد من جانب الدولة السورية إزاء ما صدر من جانب أنقرة”.

ويعتبر يوسف في حديث لموقع “الحرة” أن ما يحصل الآن يمكن وضعه في “إطار العملية الإعلامية من الجانب التركي، وكخطوة للتمهيد عما يحدث في الخفاء”.

“في حال كان هناك فعلا لقاءات وأعلن عنها بين الجانبين التركي والسوري فهذا الأمر نضعه أيضا في إطار جس النبض وتبادل الآراء للوصول إلى حلول. ما بين تركيا وسوريا الكثير من المشكلات”.

ويعتقد يوسف: “ما يجري قد يكون حوارا من أجل الاتفاق على النقاط الأساسية التي يمكن البناء عليها عليها. بمعنى لم نصل حتى الآن إلى مرحلة الحوار. كل طرف يحدد نقاط الخلاف التي ينظر إليها”.

“فرصة لسد الفجوات”

ووفق ما قال مصدر تركي لـ”رويترز” فإن روسيا نقلت مؤخرا بعض قواتها من سوريا إلى أوكرانيا، بينما طالبت تركيا “بتطوير علاقاتها مع دمشق وتسريع الحل السياسي في سوريا”، وأن تركيا لا تريد أن ترى القوات المدعومة من إيران تستقر في المناطق التي انسحبت منها روسيا”.

بعد عام 2011 تدهورت العلاقات بين تركيا والنظام السوري إلى حد كبير، ووصلت إلى مرحلة “القطيعة”.

وفي الوقت الحالي وبعد مرور 9 أشهر من عام 2022 ما تزال أنقرة تواصل الانتشار في مناطق بشمال سوريا، وتدعم فصائل المعارضة العسكرية والسياسية، المناهضة للأسد، بينما تؤكد على ضرورة الحل السياسي لسوريا، بموجب قرار مجلس الأمن 2254.

ويتحدث الصحفي ليفانت كمال أن “موسكو تتوقع أن تشارك أنقرة بفاعلية ضد توسع إيران في حال انسحابها النسبي من سوريا بسبب وضعها في أوكرانيا”، وأن “الطريق إلى ذلك هو من خلال الحوار مع دمشق وإن كان على مستوى منخفض”.

وترى تركيا في الوضع أعلاه “فرصة لمراحل مختلفة لسد الفجوات التي خلفتها روسيا من خلال إقامة حوار نسبي مع نظام الأسد”.

وهذه الفجوات تتعلق أولا بـ”العمل براحة أكبر ضد تهديد وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني”.

أما ثانيا، يضيف كمال: “هو إيجاد مكان للمعارضة السورية في الحل السياسي وبعد ذلك في السلطة”، مشيرا: “الثالث هو الوقوف في وجه التوسّع الإيراني القائم من خلال الجماعات الشيعية التكفيرية الراديكالية في سوريا”.

واعتبر الباحث التركي أن “تركيا ترى أيضا أنه من المنطقي إقامة علاقة نسبية مع النظام تتماشى مع هذه الأهداف الاستراتيجية، رغم كل الانتقادات”.

ومن منظور واقعي، وفق وجهة نظر الصحفي فإن “النهج الإيجابي لتركيا يتضمن اعتدالا يضع نظام الأسد تحت ضغط هذه الملفات: المعارضة ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني وإيران”.

وزاد: “حقيقة أن النظام، الذي لم يستجب لذلك، ورفض مسار الحوار الممتد إليه في العمليات التالية، يقوي يد أنقرة سياسيا ومن ناحية الشرعية في تصرفاتاتها. لأن أنقرة تدرك ما لا يستطيع الأسد فعله”.

لكن المحلل السياسي، غسان يوسف يرى أن الأمر مختلف عن ذلك، مؤكدا أن “الجانب التركي هو من يتولى الإعلان عن هذه الأمور. كلام أردوغان أصبح عاديا وربما بعد زيارته إلى سوتشي. هو بات يرى أن الأسد ليس عدوا ويجب إسقاطه”.

“ما يميز كل ما يجري من الجانب التركي أنه هو من يصرح ويعلن وهو الذي يقول”، بينما “الجانب السوري مازال ضنينا في المعلومات، ولا يصرح عن اللقاءات التي تجري”، حسب يوسف. 

ماذا بعد؟

في غضون ذلك يعتقد كاتب العمود في صحيفة “حرييت”، عبد القادر سيلفي أن “عملية إصلاح العلاقات سوف تتسارع بعد اجتماع شنغهاي”.

ويوضح حديثه بالقول: “قبل حرب أوكرانيا، لم يكن بوتين يريد أن تكون لتركيا علاقة مباشرة مع الأسد. ومع ذلك، بعد أوكرانيا، بدأ يقترح إقامة اتصال مباشر مع النظام بنفسه. يعتبر هذا الوضع مهما في الدبلوماسية. عندما يعرض بوتين هذه الفرصة، فإن إردوغان لا يدفعها بعيدا. على العكس من ذلك، يفضَل تقييم العملية الجديدة”.

ومن المقرر أن يلتقي إردوغان الموجود في أوزبكستان لحضور اجتماع شنغهاي بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الجمعة. وسيكون هذا هو الاجتماع الثاني للزعيمين خلال 40 يوما.

ويعتبر الصحفي ليفانت كمال أن “المحادثات الاستخباراتية بين تركيا والأسد مفيدة للغاية من حيث إبقاء التوتر المباشر بين البلدين عند مستوى معين”.

ويقول: “على الرغم من العديد من المشاكل بين تركيا والنظام، نجحت هذه المحادثات في إبعاد البلدين عن الحرب المفتوحة”.

لكن في المقابل فإن قضايا مثل “الحل السياسي، والنظام الديمقراطي، والحقوق الديمقراطية، والعودة المشرفة، والعقاب على جرائم الحرب، والتعويضات ليست موضوع محادثات استخبارية”. “هذه هي المشاكل الرئيسية في سوريا”، وفق الصحفي.

ولا يعتمد حلّها على مصالحة تركيا ونظام الأسد فقط، بل “حل القضية السورية يكمن في أن يتحقق بإجماع دولي على القرار 2254 بضمان وإشراف الأمم المتحدة”.

“يمكن للدبلوماسية بين تركيا والأسد أن تؤدي إلى تحقيق حل سياسي لهذه الشروط. خلاف ذلك، لا معنى للدبلوماسية إذا لم يقدم الأسد أي تنازلات. لقد أوضحت تركيا موقفها بشكل واضح للغاية بشأن هذه القضية مرات عديدة”، كما يضيف كمال.

بدوره يقول المحلل السياسي، غسان يوسف: “سننتظر لنرى”، في تعليقه عما ستشهده العلاقة بين تركيا والنظام السوري، في المرحلة المقبلة.

واعتبر يوسف أن “تركيا اليوم تعيش حالة صعبة بسبب وجود اللاجئين السوريين وأيضا بسبب الانتخابات”، مضيفا: “حزب العدالة والتنمية يريد أن يصفر المشكلات مع سوريا كما صفرها مع دول أخرى مثل الإمارات والسعودية. هو يريد أن يحوّل تركيا إلى مركز اقتصادي شرق أوسطي. ولهذا يدرك أن الفائدة الاقتصادية أفضل بكثير من عداء الجيران!”.

Scan the code