التخطي إلى المحتوى

نشرت في:

يبدو أن نتائج الانتخابات التشريعية الإيطالية كانت وفية لتكهنات استطلاعات الرأي، حيث تقدم اليمين المتطرف بزعامة جورجيا ميلوني بشكل كبير في هذا الاستحقاق الذي جرى الأحد 25 سبتمبر/ أيلول، على حساب الأحزاب التقليدية، محققا، وفق نتائج موقتة، انتصارا تاريخيا. وارتبط اسم ميلوني منذ شبابها باليمين المتطرف، وكانت هذه المرأة التي عملت كنادلة ومربية أطفال سابقا، عضوة في حزب الرابطة المتشدد لماتيو سالفيني قبل أن تؤسس حزبها في 2012 تحت اسم “فراتيلي ديتاليا” (إخوة إيطاليا). فمن هي هذه السياسية المرشحة اليوم بقوة لرئاسة الحكومة الإيطالية المقبلة؟

لم يكن مفاجئا احتلال حزبها صدارة نتائج الانتخابات التشريعية بعد أن رشحته استطلاعات الرأي للفوز. لتكون زعيمة “فراتيلا ديتاليا” (إخوة إيطاليا) جورجيا ميلوني، الفائز الأكبر في هذا الاستحقاق، والتي تستعد اليوم لقيادة الحكومة الجديدة، لتكون أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ إيطاليا.

وأشارت النتائج الموقتة بعد فرز أكثر من نصف الأصوات إلى حصول حزب “إخوة إيطاليا” على نحو ربع أصوات الناخبين ( بين 22 و26 في المئة). فيما حقق حليف ميلوني حزب الرابطة بزعامة اليميني المتطرف ماتيو سالفيني نتائج كارثية بجنيه نحو تسعة في المئة من الأصوات فقط، وتفوقت ميلوني عليه في جميع المناطق الشمالية، المعاقل التقليدية للرابطة.

ومن المنتظر أن تحكم ميلوني ضمن تحالف مشكل من حزبها والرابطة اليمينية المتطرفة بقيادة ماتيو سالفيني وحزب “فورزا إيطاليا” المحافظ بقيادة سيلفيو برلسكوني، ويُتوقع أن يفوز هذا التحالف بما يصل إلى 47% من الأصوات ما قد يضمن نوعا من الاستقرار السياسي في البلاد، على عكس ما شهدته الحكومات السابقة حيث سادت بداخلها تحالفات غير متجانسة، ما أدى بها إلى الانهيار في أكثر من مناسبة.

“إيطاليا بحاجة إلى معارضة حرة”

تتحدر ميلوني من أحد الأحياء الشعبية في روما، حيث ولدت في يناير/ كانون الثاني 1977، وانخرطت في مرحلة الشباب بعدد من الجمعيات الطلابية التي تعرف بتوجهاتها اليمينية المتشددة. كما عملت كمربية أطفال ونادلة. وفي 1996 ترأست جمعية في المدارس الثانوية اتخذت الصليب السلتي شعارا، والذي يستخدم لدى البعض من المجموعات العنصرية والنازيين الجدد.

في 2006 أصبحت نائبة بالبرلمان قبل أن تعين نائبة لرئيس مجلسه، لتصبح أصغر منتخبة في هذا المنصب. وبعد عامين، شغلت منصب وزيرة للشباب في حكومة سيلفيو برلسكوني، وهي تجربتها الحكومية الوحيدة.

تهافتت عليها وسائل الإعلام لسنوات بحكم خطابها القوي في مجتمع سياسي ذكوري، لم يتعود على رؤية امرأة شقراء ذات توجهات يمينية متطرفة بهذا القدر من الأفكار، والتي تدافع عنها بقوة أمام الجمهور في كل مرة أتيحت لها فرصة ذلك.

في نهاية 2012 أسست حزب “فراتيلي ديتاليا” مع منشقين آخرين عن حزب برلسكوني، واختارت التموقع بمعسكر المعارضة. وعندما شكل ماريو دراغي في فبراير/ شباط 2021 حكومة وحدة وطنية لإخراج إيطاليا من الأزمة الصحية والاقتصادية، كانت ميلوني وحزبها الطرف الوحيد الذي اختار عدم المشاركة في الحكومة، مؤكدة أن “إيطاليا بحاجة إلى معارضة حرة”. وهذا الاختيار ساعدها كثيرا في توسيع قاعدتها الحزبية والانتخابية.

“لو كنت فاشية لقلت ذلك”

“أنا جورجيا أنا امرأة أنا أم وأنا إيطالية وأنا مسيحية”. هكذا اختارت أن تعرف نفسها يوما في عام 2019 أمام أنصارها في روما. لتحدد بذلك أبرز العناصر التي تحرك نشاطها السياسي ضمن وعاء هوياتي، لا يخرج عادة عن المفاهيم السائدة وسط اليمين المتطرف، المرتبط أساسا بشكل متشدد بالانتماء القومي والدين، لا سيما وأنها ترفع شعار “الله الوطن العائلة”. ولميلوني ابنة عمرها حوالي 16 عاما.

وتعتبر ميلوني نفسها من ورثة “الحركة الاجتماعية الإيطالية”، التي تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية وتصنف ضمن الأحزاب الفاشية الجديدة. وهذا الإعجاب لم تكن تخفيه في السابق، خاصة في سنوات الشباب، حيث اعتبرت عندما كانت في 19 من العمر أن الديكتاتور بينيتو موسوليني كان “سياسيا جيدا”.

لكنها أدركت مع مرور السنوات أنه لا يمكن لها أن توسع قواعدها الانتخابية مع البقاء سجينة الفكر الفاشي. وعملت على طمأنة المعتدلين للتمكن من الفوز. وقالت في مقابلة مع مجلة “ذي سبكتيتور” البريطانية قبل فترة قصيرة، “لو كنت فاشية لقلت ذلك”.

إلا أن ذلك، لم يمنعها حتى اليوم من الإقرار بأن موسوليني “أنجز الكثير”، رغم أنه ارتكب “أخطاء” منها القوانين المناهضة لليهود ودخول الحرب، وفي الوقت نفسه، تشدد على أنه “لا مكان للأشخاص الذين يحنون إلى الفاشية والعنصرية ومعاداة السامية” في صفوف تنظيمها السياسي، لدفع تهم العنصرية والنازية عن حزبها.

إغلاق الحدود لحماية البلاد من “الأسلمة”

تبدو ميلوني واعية بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها بترأسها الحكومة الجديدة. فزعيمة “إخوة إيطاليا” وحلفاؤها يواجهون تحديات معقدة على رأسها ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا والتباطؤ الاقتصادي الذي تشهده البلاد خلال السنوات الأخيرة، علما أن إيطاليا تشكل ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا وفرنسا.

ومن هذا المنطلق، كانت واضحة في خطابها لأنصارها، إذ قالت ميلوني في ساعة مبكرة من صباح الإثنين بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الجزئية: “يجب أن نتذكر أننا لم نصل إلى نقطة النهاية، فنحن في نقطة البداية. اعتبارا من الغد يجب أن نثبت جدارتنا”.

ولطمأنة الأوساط الإيطالية، لم تظهر ميلوني في كلمتها بلهجة تفريقية بل اعتمدت خطابا موحدا، وبدت كامرأة سياسية مسؤولة ومستعدة لحكم إيطاليا باختلاف مشاربها وتوجهاتها السياسية.

وبنبرة تصالحية، قالت: “إذا تم استدعاؤنا لحكم هذا الشعب فسوف نفعل ذلك من أجل جميع الإيطاليين بهدف توحيد الشعب وتمجيد ما يوحده وليس ما يفرقه”. وأضافت: “اليوم، يمكنكم المساهمة في كتابة التاريخ… في أوروبا، إنهم قلقون جميعا لرؤية ميلوني في الحكومة… ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية”.

وتشمل أولوياتها إغلاق الحدود الإيطالية لحماية البلاد مما تعتبره “الأسلمة”. ففي 2016 نددت ميلوني بـ”التبديل الإثني الحاصل في إيطاليا” على غرار الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة الأخرى في أوروبا. كما تعتزم إعادة التفاوض بشأن المعاهدات الأوروبية، ومكافحة “الخريف الديموغرافي” للبلاد، إضافة إلى جملة من التطلعات من المرجح أن يظهر الواقع السياسي والاجتماعي مستقبلا أنها كانت مجرد شعارات ليس إلا، حسب مراقبين، بسبب محدودية تجربة اليمين المتطرف وزعيمته في تدبير شؤون البلاد.

 

بوعلام غبشي

Scan the code