التخطي إلى المحتوى

تباينت المواقف الدولية حيال المشهد التونسي، بعد سلسلة الإجراءات التي أقرها الرئيس قيس سعيد، والتي أتاحت له الاستئثار بجميع السلطات في البلاد، كان آخرها الاستفتاء على الدستور الجديد.

وعبرت واشنطن عن انتقادها لما آلت إليه الديمقراطية في تونس، من خلال تصريحات عدة مسؤولين، كان آخرهم وزير الدفاع، لويد أوستن، الذي قال، الإثنين، إن “حلم تونس في خطر” في إشارة إلى الديمقراطية الوليدة هناك إثر موجة الربيع العربي، التي كانت شرارتها تونس نفسها قبل عقد من الزمن.

وقبله قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، معلقا على نتائج استفتاء شعبي لتغيير الدستور التونسي، كلل “جهود” سعيّد لتوسيع صلاحياته على حساب البرلمان إن  “تونس شهدت تراجعا مقلقا في المعايير الديمقراطية على مدى العام المنصرم”.

بلومبرغ: الديمقراطية التونسية تنهار.. ودعوة لتحرك أميركي

في غمرة الأحداث المتسارعة في تونس، عقب استاثار الرئيس بصلاحيات كبيرة أثمرت دستورا لم يحقق الإجماع بين التشكيلات السياسية، قال المحلل السياسي بوبي غوش، إن على الولايات المتحدة التحرك.

هذه التصريحات، وصفها المحلل السياسي التونسي، بدر السلام، بـ”التاريخية”، إذ يرى أن واشنطن لم تكن تتدخل في الشأن التونسي، إلا عندما أيدت سعيها للاستقلال عن فرنسا في أربعينيات القرن الماضي.

لكن السلطات في تونس، اعتبرت تصريحات المسؤولين الأميركيين تدخلا في شؤونها وعبرت عن ذلك باستدعاء القائمة بالأعمال الأميركية من أجل التنديد بما وصفته بـ”التصريحات غير المقبولة” للمسؤولين الأميركيين.

في مقابل ذلك، أشاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بنتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس، وقال إنه يشكل “مرحلة مهمة” من تاريخ تونس ودعا نظيره سعيّد، للعمل من أجل “حوار تشارك فيه جميع الأطراف”. 

وأعلنت الرئاسة الفرنسية في ختام محادثة هاتفية بين الرئيسين أن ماكرون ذكر أن إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور في 25 يوليو الماضي “خطوة مهمة في عملية الانتقال السياسي الجارية”.

وأضافت أنه “أكد على ضرورة استكمال الإصلاحات الجارية في المؤسسات في إطار حوار شامل مع احترام سيادة تونس”.

يشار إلى أن الدستور الجديد تمت الموافقة عليه من جانب ما يقرب من 95 في المئة من الناخبين ولكن بنسبة مشاركة ضعيفة بلغت 30,5 في المئة. 

نتائج الاستفتاء على دستور تونس الجديد

نتائج الاستفتاء على دستور تونس الجديد

تباين هذه المواقف قد يشي بمستقبل المشهد السياسي في تونس، حيث أن موقف واشنطن، الذي يؤيد سعي طبقة واسعة من التونسيين لدعم المسار الديمقراطي، يقابله دعم باريس، ضمن دول أخرى، لسعيد.

اختلاف تاريخي

هذا التباين يصفه السلام، في حديث لموقع “الحرة”، بـ”الاختلاف التاريخي” بين واشنطن التي دعمت استقلال تونس عبر الأمم المتحدة، وباريس التي استعمرت تونس لعقود.

وكانت تونس تحت “الحماية” الفرنسية منذ عام 1881، لكن الحركة الوطنية التونسية أنهت الاحتلال بإعلان الاستقلال، بعد نضال طويل، سنة 1956.

وبالنسبة للمحلل فإن تباين الموقف الأميركي والفرنسي، ينم عن علاقات البلدين بتونس.

وبحسب السلام، تقتصر العلاقة بين واشنطن وتونس على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، بينما تربط تونس وباريس علاقات تاريخية جعلت لفرنسا “نفوذا كبيرا في تونس لحد اليوم”.

وعبر عن ذلك بالقول: “فرنسا متغلغلة في الوضع السياسي في تونس بتفاصيله ولديها حضور اقتصادي ودبلوماسي وتعاون أمني كبير”.

وعن سر دعم باريس لسعيد، على حساب المسار الديمقراطي قال السلام إن الوضع الحالي يناسب باريس، لأن “قيس سعيد يحافظ لها على مصالحها في تونس” حسب تعبيره.

بدر السلام استدرك بعد ذلك قائلا إن فرنسا تدعم النظام الرئاسي الذي يسعى سعيد لإرسائه في تونس، لأنها هي نفسها قائمة على النظام الرئاسي.

الرئيس التونسي قيس سعيد اعتبر نتائج الاستفتاء نجاحا

في المقابل، يرى نفس المحلل أن واشنطن تقف على الطرف النقيض بدعمها للمعارضة.

وقال: “ترى واشنطن أن سعيد لا يحتكم للمؤسسات الديمقراطية” لذلك هي تدعم “أصدقاءها” من المعارضة” وفق تعبيره.

صراع استراتيجي

أما عن مستقبل الوضع التونسي بالنظر إلى هذه المواقف فيرى السلام أنه سيتحدد بالنظر إلى قوة كل طرف في ضوء السعي لتحقيق مصالحه في أفريقيا ضمن الصراع الاستراتيجي الذي يغذيه التنافس الأميركي الصيني.

وقال: “تسعى واشنطن لدعم التغيير في تونس لتكون حليفة لها ومدخلا لأفريقيا، ضد النفوذ الصيني، خصوصا وأن الجزائر لم تلن لمطالب واشنطن”.

من جانبها، تسعى فرنسا، وفق السلام، إلى دعم الوضع القائم، لأن مساعي سعيد تخدم مصالحها واستقرار هذا الوضع يضمن لها استمرار مصالحها في تونس.

ولا تزال التجاذبات السياسية تطبع المشهد التونسي، حيث يتمسك المعارضون لقرارت الرئيس بموقفهم من سعيه لاحتواء جميع السلطات عبر سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات.

ونفذ عدد من القضاة، كان سعيد قد أعفاهم من مهامهم إضرابا عن الطعام، للتنديد بقرار فصلهم، وتكللت جهودهم بإعادة بعضهم، بقرار قضائي، الأربعاء.

وقررت المحكمة الإدارية في تونس، الأربعاء، تعليق تنفيذ قرار أصدره سعيّد بعزل نحو خمسين قاضيا فيما أبقت عليه بحق عدد آخر منهم.

عرفت تونس مؤخرا عدة حركات احتجاجية

وقد برّر الرئيس التونسي عزل القضاة بأنهم ارتكبوا تجاوزات أبرزها “التستر على قضايا إرهابية” و”الفساد” و”التحرش الجنسي” و”الموالاة لأحزاب سياسية” و”تعطيل مسار قضايا”.

ومنذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، تحققت في البلاد مكاسب سياسية من أهمها حرية التظاهر والتعبير.

لكن، ومنذ 25 يوليو 2021، قام الرئيس التونسي في خطوة أولى بتجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطات في البلاد ليشرع لاحقا في وضع روزنامة سياسية للعام 2022 بتنظيم استفتاء شعبي على دستور 2014 الذي علّق أجزاء منه وتنظيم انتخابات نيابية نهاية العام.

ميزان القوى

تعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي التونسي، صلاح الدين الجورشي، إن هذه التجاذبات هي من يحدد مستقبل تونس، وليست المواقف الدولية.

وفي اتصال مع موقع الحرة، أشار الجورشي إلى أن المواقف الدولية، ولا سيما واشنطن وباريس، “يمكن أن تساهم بقسط قليل فقط، في تحديد مسار المشهد التونسي”، بيد أن التجاذبات السياسية الداخلية وتغير ميزان القوى في الساحة السياسية “هو من سيحدد مستقبل تونس”.

الجورشي، عبر عن ذلك بالقول إن “الذي يحدد المشهد القادم هو ميزان القوى داخل البلد، وقدرة الأطراف على التأثير وعلى افتكاك المبادرة” ثم أعقب ذلك بالتأكيد على أن ميزان القوى الآن “يميل إلى الرئيس قيس سعيد”.

وقال إن سعيّد هو المتحكم في هذه المعادلة، بل هو أكثر من يمسك بدواليب الحكم “مستفيدا من اختلاف مواقف كل من واشنطن وباريس” على حد تعبيره.

وأوضح أن “اختلاف موقف باريس وواشنطن مكّن قيس سعيد من التأكيد على أنه غير معزول دوليا، هذا الأمر يخدمه أكثر من المعارضة”. 

يتوق التونسيون للعودة لسكة الديمقراطية

وعن سبب ميل الكفة للرئيس بدلا من المعارضة، قال الجورشي إن مواقف واشنطن الداعمة للديمقراطية في تونس توقفت عند حد التنديد ولم تترجم بعد لقرارات ميدانية، تدعم بها المعارضة.

لذلك اشترط المحلل أن تترجم واشنطن موقفها بقرارات رسمية حتى تتمكن القوى التي تريد التغيير في تونس من دعم مشروعها ورفع سقف مطالبها الخاصة بعملية الانتقال السياسي في البلاد.

Scan the code