جاء إعلان اعتماد مشروع الدستور التونسي الجديد ورفض الطعون القضائية ضده، ليثير التساؤلات حول مستقبل تونس السياسي، والخيارات المطروحة أمام المعارضة خلال الفترة القادمة.
وتم اعتماد مشروع الدستور الجديد بنسبة 94,6 بالمئة من الأصوات بعد رفض القضاء كافة الطعون في نتائج الاستفتاء الذي نُظم في 25 يوليو، وفقا لما أعلنته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، مساء الثلاثاء.
وفي مؤتمر صحفي، قال رئيس الهيئة، فاروق بوعسكر، إنها تصرح بقبول مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية، معلنا دخول الدستور الجديد حيز النفاذ ابتداء من تاريخ إعلان الهيئة النتائج النهائية وختمه من رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية.
ورفضت المحكمة الإدارية في مرحلة الاستئناف، صباح الثلاثاء، الطعن الوحيد المقدم من حزب “آفاق تونس”، بعد أن رفضت في المرحلة الابتدائية ثلاثة طعون كانت قد قدمتها منظمة (أنا يقظ) وحزبا آفاق تونس والشعب يريد.
أمر واقع
يري المحلل السياسي التونسي، برهان العجلاني، أن رفض الطعون المقدمة يؤكد أنها “لا ترتقي للتأثير على نتائج الانتخابات في مجملها”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير العجلاني إلى توحيد “الدستور الجديد” للسلطة التي كانت مشتتة داخل النظام البرلماني ما تسبب في “تنازع وصراع على الصلاحيات” خلال الفترة الماضية.
ويرى أن إقرار الدستور جاء لـ”تصحيح المسار الديمقراطي في البلاد، ووضع عنوان واضح للحكم في تونس، والحفاظ على جملة من المكاسب للشعب التونسي وفقا لضوابط جديدة”.
من جهته، يؤكد الكاتب الصحفي التونسي، فرح شندول، أن “الدستور أصبح أمرأ واقعا ملموسا” بعد دخوله طور التنفيذ في تونس ليسطر بذلك النظام السياسي الجديد في البلاد، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”.
ويرى الكاتب الصحفي التونس، محمد بوعود، أن النظام السياسي الجديد يبدأ أولى خطواته كـ”أمر واقع”، بعدما أضفى عليه “الاستفتاء الشعبي” الشرعية، حسب حديثه لموقع “الحرة”.
لكن الدستور الجديد يكرس نظاما يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة على عكس دستور العام 2014 الذي أقام نظاما برلمانيا معدَّلا يعطي الرئيس أدوارا محدودة، حسب “فرانس برس”.
ولا ينص الدستور الجديد على آلية لعزل رئيس الجمهورية الذي يمارس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة ووزراء يشرف هو على تعيينهم.
خيارات المعارضة
في وقت سابق، أعلنت المعارضة “رفضها للاستفتاء وشككت في نتائجه”، وخرجت تظاهرات في عدة مدن تونسية منددة باحتكار قيس سعيد لكامل السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ 25 يوليو 2021.
وحذر ناشطون ومنظمات حقوقية من خطر عودة الدكتاتورية تدريجا بعد إقرار الدستور الجديد، فماذا بقي أمام المعارضين للنظام السياسي الجديد؟ وما هي خيارات المعارضة خلال الفترة القادمة؟
حسب حديث شندول فلم يبق أمام القوى المعارضة للرئيس أي ذريعة سياسية أو قانونية لمعارضة الدستور، لكنها تمتلك خيارات أخرى.
ودأبت قوى المعارضة على اتهام الرئيس التونسي بـ”تكريس الديكتاتورية والاستئثار بالسلطة”، وهي مازالت “مصرة على مواقفها”، وفقا لرأي شندول.
وتنظم تلك القوى المسيرات والاحتجاجات للتعبير عن رأيها، وأصبح مجال تحركها في نطاق “الشارع والمنتديات ووسائل الإعلام”، حسب شندول.
وتوقع استمرار المعارضة في تنظيم الاحتجاجات، لكن يشير إلى “ارتباط ذلك بمدى تأثيرها على الشارع التونسي”، مؤكدا أن تحركات المعارضة لم تعد تستقطب “حشودا جماهيرية كبيرة يمكنها التأثير في قرارات السلطة السياسية”.
ويتحدث بوعود عن خيار آخر أمام المعارضة، وهو “المشاركة في الاستحقاقات القادمة وأبرزها الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 ديسمبر القادم”.
ويمكن للمعارضة “حشد قواها للفوز بالأغلبية البرلمانية”، لكن في حال اختيارها “المقاطعة” فقد لا تمتلك أي حظوظ في المشهد السياسي بالبلاد.
ويحذر بوعود من “مغبة مقاطعة تلك القوى للانتخابات البرلمانية”، ما قد يضفي على تونس “مشهد سياسي أحادي الجانب” دون وجود توازن بين سلطة حاكمة ومعارضة قوية.
مشهد سياسي واقتصادي معقد
ويتحدث العجلاني عن تعقد المشهد السياسي في تونس “نتيجة تشتت قوى المعارضة وغياب العناصر القيادية التي توحد مجهوداتها في إطار مشروع سياسي واضح المعالم”.
ويشير إلى غياب أكثر من 7 ملايين ناخب عن الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على الدستور، مرجعا ذلك لـ”فشل كافة المكونات السياسية في إقناع هؤلاء بالانخراط في العمل السياسي”.
وتطرق العجلاني إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، متوقعا “زيادة حدتها”، وهو ما يمثل “أرضية خصبة لاستقطاب المعارضة في المستقبل”.
وتمر تونس بأزمة اقتصادية متصاعدة، تسببت في ارتفاع أسعار السلع والخدمات ونقص بعض المنتجات، بسبب تداعيات جائحة كورونا وآثار الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقا لـ”رويترز”.
وانخفض معدل النمو الاقتصادي في البلاد إلى أقل من 3 بالمئة، وارتفعت معدلات البطالة بين قرابة 40 بالمئة من الشباب، وفقا لـ”فرانس برس”.
ولذلك يتوقع العجلاني “بناء وتوحيد وتنظيم معارضة قوية مع تغيير الوجوه القديمة”، لكنه يستعبد “وقوع تصعيد في الشارع خلال الفترة القادمة”، لأن الشعب التونسي يترقب “الإصلاحات السياسية والاقتصادية بعد تقديم كافة الصلاحيات لقيس سعيد”.
ويتفق معه بوعود، مستبعدا سيناريو التصعيد، مرجعا ذلك إلى “استنزاف قوى المعارضة القدرة على التحشيد الجماهيري خلال عام ونصف العام”، واصفا المعارضة بـ”العاجزة جماهيريا”.
ويؤكد شندول أن الشارع “ملك الجميع في تونس سواء معارضين أو مؤيدين”، مشيرا إلى أن “الأيام القادمة سوف تكشف قراءات واستراتيجيات قوى المعارضة للرد على الدستور الجديد”.