08:30 ص
الخميس 06 أكتوبر 2022
كتب ـ رمضان يونس:
الثانية عشر؛ تلاشت آمال “منة تامر” (طالبة بالصف الثالث) قبل أن تنتهي الحصة الأخيرة من أول يوم دراسي لها بمدرسة “سيد الشهداء” بميت عقبة في حي العجوزة، بعدما اختل توازنها من الطابق الثالث حال شرح المُعلم بالفصل “بنتي كانت فرحانة أنها رايحة المدرسة.. ملحقتش تفرج بالكوتشي الجديد”.
“عايزة ماما.. هاتولي ماما” جملة أخيرة رددتها ذات الثمانية أعوام قبل أن تُلقى ربها متأثرة بجروح وكسور بالجسد حسب تقرير الفحص المبدئي الموقع على جثمان الطفلة. “والدة زميلة منة في الفصل شالتها وهي غرقانة في دمها وراحت بيها المستشفى .. وجبتلي الكوتشي والشراب اللي كانت لبساه”. تقولها “مديحة” والدة الضحية لـ “مصراوي”.
بكل حماس، خرجت “منة” مطلع الأسبوع الماضي مع والديها “مديحة وتامر” وشقيقها عمر وياسين، لشراء مستلزمات المدارس “الظروف كانت صعبة معانا واشترينا اللي قدرنا عليه”، فكان ينقص “منة” حذاء اختارته بنفسها: “جابت الشراب لون البلوزة وردي والكوتشي أسود، وكان نفسها في شنطة بس الظروف مسمحتش”. تضيف الأم.
لم تذهب الطفلة الصغيرة وشقيقها “عمر” إلى المدرسة في اليوم الأول، وذهب شقيقهما “ياسين” وحيدًا. وصباح اليوم التالي استيقظت “منة” وتناولت وجبة الإفطار رفقة أشقائها قبل أن تغادر إلى المدرسة بصحبة والدتها.
الثامنة إلا ربع ودعت “مديحة” ابنتها “منة” في الفصل، بعدما حضرت طابور المدرسة الصباحي ” اشتريت لها كراسات من قدام المدرسة ودخلتها الفصل ومشيت”، ولم تدرٍ السيدة الثلاثينية أن هذا اللقاء سيكون الأخير بصغيرتها ” يا ريتني ما خلتها تروح المدرسة.. كنت رايحة أدفع لها مصاريف الكتب تاني يوم”.
أما “سما” نجلة عم الطفلة “منة” فقد خرجت من فصلها عقب انتهاء الحصة الأخيرة، وصعدت طالبة الصف الرابع الابتدائي لاصطحاب ابنة عمها من فصلها الأمر الذي رفضه المدرس “لما شافت سما بنت عمها قعدت تبكي وكانت عايزة تروح معاها”. وأثناء شرح المدرس لتلاميذه بالفصل غافتله “منة” وسقطت من الطابق الثالث قبل أن تصل نجلة عمها “سما” فناء المدرس: ” فتحت الباب وجريت على السور عشان تنادي على “سما” راحت وقعت على رأسها”. تستطرد الأم حديثها.
مُكالمة هاتفية لم تُكمل بضع ثواني تلقاها “تامر” الواحدة بعد منتصف الظهر الإثنين الماضي، “إلحق بنتك وقعت في المدرسة وراحت المستشفى”، دقائق معدودة وصل فيها الأب للمدرسة، “اللي اتصل بيا قالي بنتك سليمة .. أنا قولت أكيد رجليها أتكسرت” لكن وجدت حقيقة مغايرة حينما التقيت بطبيب الطوارئ بالمستشفى “لقيت الدكتور بيقولي أنت أبوها؟.. طيب شيد حيلك”. يقولها تامر باكيًا.
وحتى الآن لم تُنسى ملامح الصغيرة من ذاكرة والدتها، فالدموع لم تفارق جفنيها كلما نظرت إلى صورة جمعت الأسرة على كورنيش نيل القاهرة “مش مصدقة إن بنتي مش هتنام في حضني تاني.. جنازتها كانت زفة عروسة وكل الناس مشيت وراها”.
وأمام المشرحة تجلس الجدة “صباح” على مقعد بلاستيكي تصرخ تارة وتتذكر آخر كلمات حفيدتها “كلمتني في التليفون وقالت يا تيته هاجي أوريكي الكوتشي اللي اشترتيه”.
بوجه شاحب تكسوه تجاعيد العمر، تستقبل “صباح” عزاء حفيدتها “صحابها في الفصل عزوني.. والكل كان بيحبها حتى الناس اللي في الشارع”.
وكانت النيابة ذكرت في بيان، الإثنين الماضي، أنها باشرت التحقيق في إخطارٍ تلقتْهُ من قسم شرطة العجوزة بوفاة طالبة بالصف الثاني الابتدائي حالَ تواجدِها بمدرستِها إثرَ سقوطِها من الطابق الثالث الذي يقع به فصلُها الدراسي.
وعاينت النيابة العامة ماكن الحادث، فيما تحفظت على أجهزة المراقبة بها لفحصها، وسؤال شهود الواقعة، وقد خَلصَت النيابة العامة من هذه الإجراءات إلى سقوط الفتاة من الطابق الثالث فوق الأرضي الذي يبلغ ارتفاع سوره 60 سنتيمترًا.