جارنا الأحمر الذي نراه يسطع في السماء نطمع أن يكون ملاذنا الآمن إن زادت احتمالات الفناء والانقراض على كوكب الأرض؛ إما بفعل كارثة طبيعية مثل اصطدامه بنيزك كبير، وإما كارثة تحدث بفعل فاعل. هكذا يفكر الآن صانعو القرار في الدول التي تتسابق على دراسة المريخ والبحث عن حياة على سطحه. فمنذ ستينيات القرن الماضي، ومع بدء محاولات تفسير وجود قنوات مائية جافة على سطح المريخ، أصبح الكوكب مثيرًا لفضول البشر. على أنه ظهر من انتقد بذل كثير من الأبحاث والأموال لاستكشافه. فتعالوا معًا نلقِ نظرة على ما يحدث، وما يبحث عنه العلماء على المريخ.
أطلقت أكثر من ست وأربعين رحلة فضائية غير مأهولة إلى الكوكب الأحمر منذ ستينيات القرن العشرين إلى شهر فبراير الماضي عندما نجحت ثلاث مركبات في الوصول إليه. ولم يحظَ أي كوكب آخر في المجموعة الشمسية بمثل هذا العدد من الرحلات الفضائية. ويعود هذا إلى أربعة أسباب، لم تتبدل منذ التفكير في عمل رحلات استكشافية إلى المريخ تمهيدًا لإرسال رحلات تحمل بشرًا للعيش عليه.
أما السبب الأول، فهو محاولة إيجاد دلائل على احتمال وجود حياة على المريخ، ولو كانت جراثيم أو فطريات. وقد رُصد هذا الدليل من الحجر النيزكي الذي عثر عليه عام 1983، وتَأكد أنه من المريخ، ويحمل بداخله بكتيريا متحجرة ترجع إلى أكثر من 4.5 مليار سنة. وأما السبب الثاني، فهو احتمال وجود المياه تحت قشرة سطح المريخ. وقد تَأكّد ذلك أيضًا، بالإضافة إلى وجود جليد عند قطبيه ما يعرف بالغطاء الجليدي القطبي أو Polar Ice Cap، مع وجود نسب غير قليلة من بخار الماء في غلافه الجوي. وأما السبب الثالث، فهو طبيعة جيولوجية المريخ المحيرة في تكوينها، إذ توجد قنوات متعرجة فريدة توحي بما لا يدع مجالًا للشك بجريان الأنهار على سطحه في الماضي، ويريد العلماء فهم أسباب اختفائها. وأما السبب الرابع، فهو الغلاف الجوي المـُحيِّر الذي يُعتقد أنه كان شبيهًا جدًّا بالغلاف الجوي على كوكب الأرض، ونريد أن نفهم ماذا حدث له، وكيف انخفض الضغط الجوي إلى أكثر من 150 ضعفًا منه على الأرض، وكيف تتبدل درجات الحرارة من 80 درجة تحت الصفر إلى 10 درجات، علاوة على وجود رياح وأعاصير ومجال مغناطيسي غير متجانس عليه.
قد يسأل سائل: وما لنا نحن وتلك التساؤلات والمعلومات؟ فتأتي الإجابة المباشرة أنه إن كان كوكب الزهرة يمثل ماضي كوكب الأرض، فإن المريخ يمثل مستقبل كوكبنا؛ بمعنى أنه يومًا ما سيصبح كوكب الزهرة مثل كوكبنا، وسيصبح كوكبنا مثل كوكب المريخ. وهذا أدعى أن نفهم ماذا حدث للمريخ حتى نستطيع فهم ماذا يمكن أن يحدث لكوكبنا. لم ولن يقف العلماء عند إرسال مركبات ورحلات استكشافية غير مأهولة، بل توجد مقترحات وتفكير جاد لإرسال بشر إلى المريخ. وما الرحلات الثلاثة الأخيرة التي وصلت إلى المريخ إلا حلقة ضمن سلسلة الحلقات التي تؤدي إلى ذلك.
يهدف مسبار الأمل الذي أرسلته دولة الإمارات العربية تحديدًا إلى دراسة نسب وجود غاز الأكسجين وبخار الماء في الغلاف الجوي للمريخ، من خلال كاميرا عالية الدقة، وجهاز مِطياف يحلل أولًا بأول ما يرصده على ارتفاعات مختلفة في الغلاف الجوي. وبالنسبة إلى مركبة «المثابرة» الأمريكية، فقد هبطت على سطح المريخ لدراسة مناطق اختيرت بعناية شديدة بجوار أماكن الجُرف النهرية لقنوات المريخ الجافة. ليس هذا فحسب، بل تحمل مروحية المركبة من مكان إلى آخر على سطح الكوكب، ما يزيد فرص البحث عن بصمات ودلائل على حياة هناك. والمركبة الصينية «تيانوين-1» التي وصلت أيضًا في فبراير الماضي، فيُعدُّ هدفها المعلن أعلى طموحًا من المشروعين الآخرين؛ إذ ترمي الصين إلى البحث عن الأماكن المناسبة لبناء معسكرات إعاشة بشرية. نعم عزيزي القارئ، دراسة أماكن تصلح جيولوجيًّا – بعد معالجتها – للزراعة.
وفيما يتعلق بمشروعات إرسال بشر إلى المريخ فقد باتت وشيكة التنفيذ، ربما في ثلاثينيات أو أربعينيات هذا القرن على أقصى تقدير. والسبب في تأخرها هو التعقيدات والمخاطر والكلفة الكبيرة لإرسال بشر إلى هناك. والمطروح حاليًّا خياران للسفر إلى المريخ؛ هما السفر بلا عودة أو السفر والعودة، وكلاهما ينطوي على تفاصيل مثيرة وأشد تعقيدًا من مجرد إرسال مركبة غير مأهولة. لا يتسع هذا المقال للحديث عن هذين الخيارين، ولكنني أدعوكم إلى معرفة مزيد عنهما في مقال لاحق.
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء/ ربيع 2021.
Cover Image by wirestock on Freepik