اذا انطلقنا من ان رئاسة الجمهورية في لبنان هي مقام ملك (وهي ليست كذلك حتماً)، فإن ما شهده مجلس النواب امس ادى الى هزّ عرش المرشحين المعلنين وغير المعلنين للرئاسة، وذلك بفعل النتائج التي اسفرت عنها الجولة الاولى للانتخبات والتي كانت نتائجها والسيناريو الخاص بها معروفين قبل حصولها.
مفارقات وعبر كثيرة يمكن ان يستخلصها كل من تابع ما سبق الجلسة الشهيرة وما تخللها، ليصل الى خلاصة غير سرية ان “كلمة السر” لم تصل بعد، وبالتالي فإنه خلال هذا الوقت الضائع، يمكن لاي طرف وضع السيناريو الذي يريده طالما انه لن يؤثر على النتيجة النهائية. ~
في الشكل، كان لافتاً ان الجميع تقيّد بالدستور وبالمهل الدستورية في سابقة غريبة بالفعل، وان المقاطعة لم تجد طريقها الى احد، اكان موالياً ام معارضاً ام ضمن الوجهة الثالثة التي لم يحدد اسمها بعد (تغييري، حيادي، مستقل…). واذا لم تتخلل الجلسة اي مفاجأة لان كل شيء كان معروفاً لجهة اجراء التصويت وعدم فوز احد ثم فقدان النصاب، فإن الطريقة التي حصلت فيها كانت اكثر تنظيماً من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون، اذ تخلل الجلسة في حينه الكثير من “المماحكات” و”الزكزكة”، فغابت عن هذه الجلسة اسماء الفنانين مثلاً والقاب غريبة واعادة التصويت لحصول بعض الاخطاء، ما يعني ان كل ما حصل في جلسة انتخاب عون كان مدبّراً ومقصوداً ورسائل صارخة لم تخفَ على احد. ومرة جديدة، تعود “موضة” طرح اسماء الى الرئاسة لغير المرشحين، فيما هذه المرة غابت اسماء الذين اعلنوا ترشيحهم بشكل رسمي ولم يحصلوا ولو على صوت يتمسكون به للمرحلة المقبلة. اما التهافت النيابي على وسائل الاعلام قبل وبعد التصويت، فقد بدا فاضحاً بعض الشيء، ولا لزوم له، الا انّها عادة اثبت النواب اكانوا قديمي العهد ام حديثين، انه من المستحيل التخلص منها.
هذا في الشكل، اما في المضمون فكلام آخر، لانه على عكس ما قيل من قبل غالبية نواب المعارضة ومن يتحالفون معهم، فإنّ النتيجة الابرز هي ان الثنائي الشيعي ومن يرافقه في الخط السياسي، لا يزالون ممراً الزامياً لانتخاب الرئيس، وحتى لو تكتّلت كل القوى المعارضة ومن يتحالف معها، فلن تستطيع ايصال ايّ مرشح تدعمه، فيما يمكن لهذه القوى بجهد بسيط وبخرق صغير، ايصال من تريد الى قصر بعبدا. فوفق الارقام، كان يمكن لو بقي النصاب قائماً، ان ينال المرشح المدعوم من هذه القوى (الممثل بالورقة البيضاء) 65 صوتاً بعد ان نال 63 صوتاً في الدورة الاولى، فيصبح عندها الرئيس المقبل للجمهورية(*). في المقابل، اكتفى المنافسون السياسيون للقوى المذكورة (اي للموالاة وحلفائها)، في جمع 59 صوتاً اذا ما احتسبنا كل الاصوات التي صبت خارج الورقة البيضاء (ميشال معوض، سليم اده، لبنان، مهى امينة، نهج رشيد كرامي) وبات لزاماً الحصول على اصوات النواب الـ6 الذين لم يحضروا ليصبح العدد 65 نائباً. هذه الحسابات تصلح فقط في حال لم يحصل خرق من هنا او من هناك، ووفق المنطق فإن الخرق مرجح حصوله اكثر في خانة المعارضة ومن معها، لان احداث خرق في الموالاة وحلفائها صعب، خصوصاً في مسألة بالغة الحساسية كانتخابات الرئاسة. ولا بد من ذكر امر في غاية الاهمية، وهو ان الموالين خاضوا تجربتهم الانتخابية باسم “الورقة البيضاء” فيما كان المعارضون يخوضون معركتهم باسماء واضحة (ما عدا لبنان)، وهذا ان دل على شيء، فعلى رهان الموالاة على خرق منافسيهم عند طرح اسماء واقعية، فتتغير المعادلات عندها.
في كل الاحوال، انقسام الاصوات مناصفة، اثبت وفق انتخابات رئيس مجلس النواب، انه يصب في مصلحة الموالاة ومن يشاركها رؤيتها السياسية، وان اقصى ما تطمح اليه المعارضة هو ضمان نفوذ لها في التشكيلة الحكومية الاولى في العهد الجديد.
*يحتاج المرشح في الدورة الاولى الى غالبية 86 صوتاً للفوز (ثلثي عدد اعضاء المجلس)، اما في الدورة الثانية فلا يحتاج الا الى النصف زائد واحد اي 65 صوتاً فقط.