نعود إلى عوالم (الجواري) التاريخية، ومنها:
ومما قاله الجاحظ: طلب أمير المؤمنين (المعتصم) شراء جارية كانت لمحمود الوراق، وكان نخاساً، بسبعة آلاف دينارٍ، فامتنع محمودٌ عن بيعها إلا بعشرة آلاف دينار، فلما مات محمود اشتريت للمعتصم من ميراثه بسبعمائة دينار، فلما دخلت إليه، قال لها: كيف رأيت؟ تركتك حتى اشتريتك من سبعة آلافٍ بسبعمائة» قالت: أجل! إذا كان الخليفة ينتظر لشهواته المواريث، فإن (سبعين ديناراً) كثيرة في ثمني فضلاً عن سبعمائة؛ فأخجلته واعتذر منها ومنحها عشرة آلاف دينار.
كانت هناك جارية في قصر (الرشيد) تحب أن تراسل بالأشعار من تخصه، فاختصت خادماً يقال له (طَل) وهو من خدم الرشيد تراسله بالشعر، فلم تره أياماً، فمشت على ميزاب حتى رأته وحدثته، فقالت في ذلك:
قَدْ كانَ ما كلُفتهُ زَمَناً/ يا طَل مِنْ وَجْدٍ بِهِمْ يَكْفِي
حَتى أَتَيْتُكَ زائِراً عَجِلاً/ أَمْشِي عَلَى حَتْفِي إلى حَتْفِي
فحلف عليها الرشيد ألا تكلم (طل) الخادم، ولا تسمي باسمه، فضمِنت له ذلك، فاستمع إليها يوماً وهي تدرس آخر سورة البقرة، حتى بلغت إلى قوله عز وجل (فَإِنْ لَمْ يُصبْها وَابِلٌ فطل) وأرادت أن تقول فَطَل، فلم تلفظ بهذا، فقالت فالذي نهانا عنه أمير المؤمنين، فدخل وقبّل رأسها وقال قد وهبت لك (طل)، ولا منعتك بعد هذا من شيء تريدينه، – فطلبت أن تتزوجه، فكان لها ما طلبت.
كما أن أحدهم دفعته نفسه أن يشتري جارية، ويقول: رأيت جارية تباع في بغداد بسوق النخاسين، يناديها، فدعوت بها وجعلت أتأملها، وكان على خدها حبة خال، فأعجبتني، فقلت لها، ما اسمك؟ فقالت: (مكة)، فقلت: الله أكبر قرب الحج، أتأذنين لي أن أقبل الحجر الأسود؟ فقالت: إليك عني ألم تسمع إلى قول الله تعالى: (لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس)؟! لهذا حليت بعينه، وكسب المزايدة عليها واشتراها، ولا أدري ماذا حصل لها بعد ذلك، وأصدقكم القول فإنني كنت قبل أن أقرأ هذه الحادثة، أعتقد أن أول من سمى بنته (مكة) هو اللاعب المصري (محمد صلاح) الذي يلعب في نادي (ليفربول) الإنجليزي – وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أنني: (جايب العيد).
ومعروف أن الجواري المحظيات هن الجميلات من الشقراوات، وقد قال في واحدة منهن أمير من أمراء المؤمنين: قلوب العاشقين لها عيون/ ترى ما لا يراه الناظرونا
وأجنحة تطير بغير ريش/ إلى ملكوت رب العالمينا