التخطي إلى المحتوى

تركت المحكمة العليا للولايات وضع قوانينها الخاصة بالإجهاض (تاسوس كاتوبوديس/Getty)

من الممكن أن تأتي ساعات “آبل” الذكية الجديدة بميزات صحيّة جديدة للنساء، لكن هل هذا هو الوقت المناسب لها في الولايات المتّحدة؟

إذا صدقت الشائعات حول الجيل الثامن من ساعات “آبل”، فقد تتمكّن الشركة قريباً من التحكم بالوصول إلى المعلومات الحميمة الخاصة بمستخدماتها وفترات خصوبتهن، بحسب موقع ماشابل.

تقول الشائعات الآتية من “وول ستريت جورنال”، وخبراء “آبل” مثل مارك غورمان ومينغ تشي، إنّ الساعة الجديدة قد تتضمّن ميزات متعلّقةً بصحة المرأة، مثل التخطيط للخصوبة. وسيكون ذلك تطوراً طبيعياً للميزة التي تسمح للمستخدمات بتتبّع الدورة الشهرية، والتي ظهرت في “ووتش أو إس 6”.

لكن، وعلى العكس من ميزة تتبّع الدورة الشهرية التي تعتمد على التعلّم الآلي، بقراءة البيانات التي تضيفها المستخدمة، فإنّ ميزة تخطيط الخصوبة ستستخدم جهاز استشعار يقيس التقلبات في درجة حرارة الجسم المرتبطة بدورة الإباضة الخاصة بالمستخدمة.

يمثّل ذلك تقدّماً كبيراً ومثيراً للاهتمام، ينضم إلى ميزات ساعة “آبل” الكثيرة، والتي تقيس مستوى الأوكسجين في الدم، وتقيس معدّل ضربات القلب، وحتّى أنماط النوم. مع ذلك، وبحسب “ماشابل”، فإنّ الظروف الحالية في الولايات المتّحدة تتطلّب التعامل مع معلومات كهذه بمزيدٍ من السريّة، وقد يثير إعلان “آبل” الكثير من المخاوف ما لم تتعامل مع هذه المشكلة بكثيرٍ من الحساسية.

في 24 يونيو/حزيران الماضي، ألغت المحكمة العليا الأميركية القرار الذي صدر في عام 1973 في القضية المعروفة باسم “رو ضد ويد”، والذي كرّس حقّ المرأة في الإجهاض، وأعلنت أنّ الإجهاض ليس حقّاً دستوريّاً للمرأة تجب على القانون الفيدرالي حمايته. وأشارت إلى أنّ بإمكان كلّ ولاية أن تسمح بإجراء هذا النوع من العمليات أو تقييده، بحسب ما تراه مناسباً. وذلك في عودة إلى ما كان سائداً قبل سبعينيات القرن الماضي.

ومنذ صدور القرار، أعادت 12 ولاية تفعيل قوانين منع الإجهاض السابقة، فيما تمّ تقييد الحقّ بإجراء العملية أو تعليقه مؤقتاً في عددٍ من الولايات الأخرى، وبالتالي يصير من حقّ السلطات في الولايات ملاحقة النساء اللواتي يقمن بعمليات إجهاض باعتبارها جناية.

نتيجة لذلك، صارت مسألة ما تفعله شركات التكنولوجيا الكبرى بالبيانات الصحيّة للمستخدمات أمراً شديد الأهميّة بالنسبة للكثيرين في الولايات المتّحدة.

هذا الصيف، سلّم “فيسبوك” رسائل خاصة بين فتاة مراهقة ووالدتها على تطبيق “مسنجر” إلى السلطات، كدليل على انتهاكها قوانين الإجهاض في نبراسكا. آنذاك، أصدرت “ميتا” بياناً قالت فيه إنّه لم يرد ذكر للإجهاض في مذكرة التفتيش، وإنها امتثلت لتحقيق في “مزاعم بحرق ودفن رضيع ميت بشكلٍ غير قانوني”.

في عالمٍ تتعاون فيه شركات التكنولوجيا العملاقة مع السلطات وتقدّم لها معلومات تساعدها على إنفاذ القوانين، يصير من السهل تخيّل كيف يمكن أن يؤدّي تتبع البيانات، خاصةً مثل تلك المنتظرة في ساعة “آبل”، إلى الاعتقال والإدانة بسبب الإجهاض.

قالت الدكتورة في معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي جينيفر كينغ: “التحدّي الأكبر في مجال الحقوق الإنجابية في الوقت الحالي هو حقيقة أنّ البيانات التي يجرى جمعها عنك ليست ملكاً لك”.

تصير البيانات التي لم تعد مملوكة للمستخدم عرضةً للقرصنة وخرق البيانات. يمكن بيعها أيضاً إلى أطراف ثالثة، بعلمك أو من دونه. في العام الماضي، توصل تطبيق تتبّع الدورة الشهرية “فلو” إلى تسوية مع لجنة التجارة الفيدرالية، بسبب تضليله المستخدمات حول الجهات التي تُشارَك بياناتهن معها.

بحسب “وول ستريت جورنال”، أبلغ “فلو” موقع فيسبوك في كلّ مرّة بالمستخدمات اللواتي يمررن بدورتهن الشهرية، أو اللواتي وضعن إشارات إلى رغبتهن في الحمل.

تميل الأدوات الحديثة إلى عدم الاكتفاء بتخزين معلومات من هذا النوع على الهاتف المحمول فقط. في حالات مثل “أليكسا” من “أمازون”، أو البحث على “غوغل”، تنتقل البيانات إلى الخادم أو السحابة وتُخزّن بدلاً من حذفها.

قالت كينغ: “إذا كانت شركة آبل تسير عكس التيار، وقامت بتصميم هذه الميزة الجديدة بشكل يجرى معه تخزين البيانات بشكلٍ مشفّر على الساعة حصراً، بدلاً من التخزين السحابي، فإن ذلك يعدّ تحسّناً كبيراً”.

من جهتها، تقول “آبل” إنّ الميزات الصحية الموجودة في ساعتها الحالية تحمي بيانات المستخدم بطرقٍ عدّة: يتمّ تشفير جميع بيانات الصحة واللياقة البدنية، باستثناء البطاقة الطبيّة الأساسية التي توفّر معلومات أساسية للمسعفين في حالات الطوارئ. كذلك، إذا قام المستخدم بنسخ بياناته الصحية احتياطياً على “أي كلاود” فيستمّ تشفيرها.

يتمّ الوصول إلى كلّ هذه الميزات من خلال تطبيق “هيلث”، المتوفّر كذلك على هواتف آيفون.

في العموم، تركّز “آبل” في أجهزتها والخدمات التي تقدّمها على خصوصية المستخدم. عند استخدام المساعد الذكي “سيري”، التابع لـ”آبل”، يسجّل صوت المستخدم على هاتفه فقط، على العكس من “أليكسا”، التابعة لـ”أمازون”، والتي ترسل هذه البيانات إلى خوادم الشركة.

حتّى مع اعتماد “آبل” سياسة خصوصية صارمة، فإنّ السلطات لا تزال قادرةً بواسطة القانون على الوصول إليها مباشرةً من أجهزة المستخدمين والمستخدمات. بحسب كينغ، سيؤدّي ذلك إلى نشوب قتال حول “ما إذا كان يحقّ لهم فتح ساعتي أو هاتفي”. أضافت: “هل ستكون هناك طريقة بالنسبة لي لأحذف تلك البيانات بسرعة من دون أيّ أثر؟”.

بعد قرار إلغاء الحقّ بالإجهاض، ساد جوٌ من القلق حول تطبيقات تتبع الدورة الشهرية وكيف يمكن استخدام بيانات المستخدمات لتوجيه تهم جنائية في الولايات التي تمّ فيها حظر الإجهاض أو تقييده.

قالت الباحثة في دراسات الحوكمة ومديرة مركز الابتكار التكنولوجي في بروكينغز، نيكول تورنر لي: “يعني الافتقار إلى حماية خصوصية المستهلك أنّ المخاطر تمتد إلى ما هو أبعد من استخدام وظائف ساعة آبل أو تطبيقات أخرى”. أضافت: “يمكن تجريم الأشخاص في الولايات التي تمنع الإجهاض من خلال الوصول إلى محتوى سجل البحث الخاص بهم ورسائلهم النصية وغير ذلك.”

سارعت تطبيقات تتبع الدورة الشهرية إلى طمأنة المستخدمات إلى أنّ بياناتهن في أمان. من جهته، أطلق تطبيق فلو ميزة الاستخدام المخفي للتطبيق (أنونيموس مود)، والذي يزيل أيّ معلومات يمكن التعرف عليها. بدوره، أكّد تطبيق آخر، هو غلو، أنّه لم ولن يبيع أبداً بيانات، فيما أعلن تطبيق ثالث هو ستاردست أنّه “أوّل تطبيق معروف يقدّم ميزة التشفير الشامل لجميع المستخدمين”.

في الوقت الحالي، لم يُطلب بعد من أيّ تطبيق لتتبع الدورة الشهرية تسليم بيانات مستخدماته لتحقيق جنائي، ما يعني عدم وجود سابقة قانونية حتّى الآن. لكن، وإثر حادثة تسليم البيانات من قبل “فيسبوك”، والتي ظلّت في العتمة بعيداً عن الأضواء، تُمكن ملاحظة وجود ثغرات كثيرة، وتخيّل المنحى الذي من الممكن أن تأخذه الأمور.

قالت تيرنر لي: “إذا وضعناها في مقارنة، فإنّ الخصوصية والخدمات التي تقدّمها “آبل” أفضل بكثير من تطبيقات الأطراف الأخرى”. تابعت: “بياناتهم الصحية” مشفرة ولا يمكن الوصول إليها، كما أنّ لديها تاريخا سابقا في احترام خصوصية المستخدم وعدم إلغاء قفل هواتف آيفون لأغراض إنفاذ القانون”.

على الرغم من انتشار أجواء الشك وانعدام اليقين حول الخصوصية الرقمية والحقوق الإنجابية، فإنّ شركات التكنولوجيا تمضي قدماً في تطوير تقنيات جمع البصمات الرقمية (البيومترية).

مؤخراً، قامت “أمازون” بتوسيع تجربتها لاختبار تقنية الدفع عبر التعرّف على راحة اليد في متاجر “هول فودز”، فيما يريد “فيسبوك” تتبّع البيانات الحيوية في “ميتافيرس”، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز.

بحسب كينغ، تسعى الشركات لتطوير هذه التقنيات من أجل الحصول على المزيد من البيانات المربحة وإبقاء المستخدمين مرتبطين بمنتجاتها. من وجهة نظرها، يفرض مناخ الاضطراب الحالي، حيث يصير ما كان قانونياً في يوم جريمةً في اليوم التالي، على الناس التفكير أكثر حول كيفية انتشار بياناتهم.

Scan the code