سلمت السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا إلى كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، العرض الخطي الرسمي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، الذي صاغه الوسيط الأميركي آموس هوكستين.
وكشفت مصادر مطلعة على الملف لـ “اندبندنت عربية” عن أن العرض تضمن شرحاً في 10 صفحات باللغة الإنجليزية لمسار المفاوضات غير المباشرة منذ انطلاقها في الناقورة جنوب لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، كما تضمن أرقاماً وإحداثيات تتطلب دراسة من قبل فريق تقني ومهندسين.
وعلمت “اندبندنت عربية” أن الفريق التقني المذكور بدأ اجتماعات بعيدة من الإعلام لفك مضمونها قبل تقديم الرد الرسمي اللبناني عليها، علماً أنه تم إرسال نسخة من المقترح إلى قيادة الجيش اللبناني لدرسه. وعليه دعا الرئيس عون كلاً من برّي وميقاتي إلى عقد اجتماع عند الثالثة من بعد ظهر الاثنين 3 أكتوبر (تشرين الأول) للبحث في الرد الرسمي على مقترح الوسيط الأميركي.
ويمنح العرض الأميركي لبنان “حقل قانا” بالكامل انطلاقاً من حصوله على المنطقة الواقعة شمال الخط (23) في مقابل اعتراف لبنان بإسرائيلية “حقل كاريش”، كما ينص على اعتراف إسرائيل بحق لبنان في التنقيب واستخراج الغاز في الحقول اللبنانية، لا سيما البلوك رقم (9) في قانا، على أن يكون لبنان غير معني بالتعويض لإسرائيل عن جزء من قانا. ومن بنود العرض الأميركي السماح لشركة “توتال” بمعاودة التنقيب والاستخراج وتوفير الضمانات الأمنية لها، وعُلم أنه تم فصل الترسيم البحري عن البري عبر عدم ربط أية نقطة برية بالحدود البحرية، وتحديداً النقطة “ب1”.
تفاؤل ولكن
تسابق الرؤساء الثلاثة بعد تلقيهم العرض الأميركي الرسمي إلى إشاعة أجواء تفاؤلية ذهب بعضها إلى التأكيد بأن التوقيع النهائي سيحصل قبل الـ 15 من أكتوبر، وهو الموعد الذي حددته إسرائيل لبدء استخراج الغاز من حقل كاريش، وفيما عُلم أن الرد السياسي سينتظر التقييم التقني للإحداثيات، سرى أن لقاء ثلاثياً قد يجمع الرؤساء عون وبري وميقاتي لتوحيد الملاحظات، على أن يكون الرد اللبناني موحداً وضمن مهلة لن تتعدى الأسبوع، علماً أن رئيس الجمهورية كان سارع فور تلقيه العرض الأميركي إلى الاتصال ببري وميقاتي للتشاور في كيفية المتابعة لإعطاء الوسيط الأميركي رداً لبنانياً في أسرع وقت.
لكن وفقاً للتجارب السابقة فإن الحذر واجب في هذا الموضوع، بحسب مصادر سياسية رفيعة، مذكرة بالمثل اللبناني الشعبي القائل “ما تقول فول ليصير بالمكيول”، لتؤكد أن حروفاً صغيرة يمكن أن تبدل معان كبيرة، فتقديم العرض الخطي على أهميته لا يعني بالضرورة أن الترسيم سيحصل غداً وفق ما تقول المصادر السياسية، خصوصاً أن هناك جانباً تقنياً مهماً يتعين على الجيولوجيين اللبنانيين درسه، ويتعلق بحجم الخزان في حقل قانا المفترض، وأين يمتد تحت الخط (23) جنوباً، إضافة الى نقاط أخرى.
كما بقي موضوع المنطقة الفاصلة الأمنية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي التي سبق وطالبت بها إسرائيل غير واضح، مع تأكيد بعض المصادر على أن لبنان سبق وطرح وضعها في عهدة الأمم المتحدة، كما لم تؤكد المعلومات حسم النقطة المتعلقة بمطالبة إسرائيل بتعويضات لقاء تنازلها عن حصتها في قانا، علماً أن أي تعويض محتمل قد يترك البت فيه لشركة “توتال” وفق ما كان ألمح عون سابقاً.
رد لبنان قبل الخميس المقبل
أول تعليق رسمي على العرض الأميركي كان لرئيس مجلس النواب نبيه بري بعد تسلمه نسخة من العرض من السفيرة الأميركية، فاعتبر أن مسودة الاتفاق النهائي حول ترسيم الحدود البحرية مع الجانب الإسرائيلي “إيجابية، وهي تلبي مبدئياً المطالب اللبنانية التي ترفض إعطاء أي تأثير للاتفاق البحري على الحدود البرية”. وأكدت مصادر مقربة من رئيس حكومة تصريف الأعمال لـ “اندبندنت عربية” أن لا سبب جوهرياً لتعطيل الاتفاق، وأن الرد اللبناني سيكون سريعاً، معتبرة أن التوضيحات المطلوبة لبعض النقاط “الشكلية” لن تكون مهمة صعبة، وأن من يريد الاتفاق لن يتوقف عند بعض الشكليات.
واعتبرت مصادر ميقاتي أن بت الموضوع لن يحل الأزمة المالية للبنان بين ليلة وضحاها، خصوصاً وأن استخراج الغاز من قانا سيحتاج بعد إلى ثمان سنوات، لكنه قد يحسن في المقابل موقع لبنان التفاوضي مع صندوق النقد الدولي ويضعه في مرتبة الدول المصدرة للغاز، وهو ما يراهن عليه ميقاتي في الوضع الراهن.
وفي السياق ذاته أتى كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الذي وضع في خانة تسهيل المهمة الرسمية استعجالاً لبت الموضوع، فنصرالله أعلن مجدداً وقوفه خلف الدولة اللبنانية مغيباً عن خطابه التهديد ولغة التصعيد، وقال “إن الدولة هي التي تأخذ القرار ونحن أمام أيام حاسمة في هذا الملف، ونأمل في أن تكون خواتيمه جيدة مما سيفتح آفاقاً جديدة وواعدة للشعب اللبناني”، مما يعني أن هذه الأيام ستكون محددة لإقرار الاتفاق، وفق ما ألمح إليه أيضاً الإعلام الإسرائيلي الذي أشار إلى أن النزاع البحري مع لبنان يقترب من حل تاريخي بعد أشهر من التوتر الأمني، وأعلن اجتماعاً للحكومة الأمنية المصغرة الخميس المقبل للمصادقة على المسودة النهائية للاتفاق، وهو ما يؤكد بأن رد لبنان الخطي سيكون جاهزاً قبل ذلك الموعد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الناقورة ممر إلزامي
في السياق، أكد بري أن “اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل سيتم توقيعه عند حصوله في الناقورة عند نقطة الحدود وفقاً لاتفاق الإطار”، وكشفت مصادر رسمية لبنانية لـ “اندبندنت عربية” عن أن الموافقة اللبنانية على مسودة الاتفاق تعني أنه سيتم تحديد موعد للمفاوضات غير المباشرة في الناقورة لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، فمن المتوقع أن يوقع لبنان على نص الوثيقة بشكل منفصل عن التوقيع الإسرائيلي، والتي يجب أن تضم كذلك توقيع ممثل عن الأمم المتحدة وممثل عن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على الأرجح وهو الوسيط هوكستين، على أن يتم بعدها إعداد مرسوم يوقع عليه رئيس الحكومة اللبنانية ويتم ايداعه لدى الأمم المتحدة.
وعلى عكس مصادر بعبدا التي تعتبر أن المرسوم يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وموافقة مجلس الوزراء تمهيداً لإرساله إلى مجلس النواب للاطلاع عليه، تنفي المصادر المقربة من رئيس مجلس النواب حاجة هكذا مرسوم إلى توقيع رئيس الجمهورية، على اعتبار أن المرسوم ليس اتفاقاً أو معاهدة دولية تتطلب توقيع رئيس الجمهورية، مذكرة بسيناريو الخط الأزرق البري الذي تم التوصل إليه خلال عهد الرئيس الأسبق إميل لحود عام 2000، ووضع لدى الأمم المتحدة لحفظ حق لبنان في حدوده البرية مع إسرائيل.
وتؤكد مصادر مقربة من بري أن إطار التفاوض الذي أشار إليه الأخير يقضي بالتوقيع على النص المتعلق بالإحداثيات اللبنانية والإسرائيلية، على أن يوقع البلدان ويرسلان النص كل من جهته لإيداعه لدى الأمم المتحدة.
لكن السؤال يبقى حول النص المتعلق بحقل قانا وعملية التنقيب والاستخراج وشركة “توتال”، وهل يكون ضمن النص الأول الخاص بالإحداثيات أم يأتي بشكل منفصل؟ ومن سيتولى حينها التوقيع عليه كونه يتخطى النقاط التقنية والفنية؟
هل يخضع الاتفاق البحري للمادة (52)؟
تعتبر معظم الآراء أن الاتفاق على ترسيم الحدود البحريه بشكله الحالي لا يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية، كونه لا يخضع للمادة (52) من الدستور، لكن الأكيد أن مرسوماً كهذا لا يمكن أن يصدر عن حكومة تصريف أعمال إلا بوجود رئيس للجمهورية، مما يعني أن السلطة اللبنانية أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإسراع في وضع الملاحظات وبت الموضوع في الناقورة قبل الـ 31 أكتوبر الحالي، موعد انتهاء ولاية الرئيس عون، أو الإسراع في تشكيل حكومة جديدة فاعلة تتمكن من وضع المرسوم لدى الأمم المتحدة في حال تأخرت المفاوضات مجدداً ودخلنا مرحلة من الفراغ الرئاسي.
وقد يفسر في هذا الإطار إصرار “حزب الله” ومعه ميقاتي على تشكيل حكومة بأسرع وقت، وفي المقابل يعتبر آخرون أن ملف ترسيم الحدود يخضع للمادة (52) من الدستور كونه معاهدة دولية.
ويقول الخبير الدستوري سعيد مالك إنه “سنداً إلى المادة (52) من الدستور فإن من يتولى المفاوضات بالمعاهدات الدولية هو رئيس الجمهورية، ومن يوقع هو رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة، ولكن هذا التوقيع لا يرى النور ولا يمكن أن يكون له أي مفعول إلا بموافقة الحكومة، وكون هذا الاتفاق من الاتفاقات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، وذلك يعني أنه بحاجة إلى أن يطلع عليه مجلس النواب حتى يصبح مبرماً ونافذاً”.
لكن في حال خلو سدة رئاسة الجمهورية بحسب مالك، “وإذا كانت الحكومة مكتملة الأوصاف، أي ليست حكومة تصريف أعمال كما هي حالياً، عندها تنتقل إليها صلاحيات رئيس الدولة مما يمكنها من التوقيع بدلاً عنه، لا سيما أن من سيصادق على الاتفاق هو مجلس النواب، ولكن حكومة مستقيلة لا يمكن أن تأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية، كون صلاحياتها في هذا الموضوع منتقصة ولا يحق لها الاجتماع للبت باتفاق كهذا”.