وجّه وفد صندوق النقد الدولي بالأمس صفعة قويّة الى المسؤولين لم يتوقعوها، فخلال السنوات الماضية عاش اللبنانيون على “معزوفة” يوميّة قوامها العمل على اتمام الاتفاق مع الصندوق المذكور.
منذ استلام الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي مهامها عملت على اتمام خطّة تعافٍ جديدة ضاربة بعرض الحائط خطّة لازارد التي وضعت على أيام حكومة حسان دياب وكأنّ الوقت أو الوضع يسمحان لمثل هذا الترف في التعاطي.
غيّرت حكومة ميقاتي قواعد “اللعبة” فبعد أن كانت الخطة السابقة تحمّل الجزء الأكبر من الخسائر الى المصارف والمساهمين، جاءت “خطة التعافي” لتلقي بكامل ثقلها على المودعين محمّلة إياهم وحدهم الخسائر… وكل العمل كان يجري تحت شعار “هذا ما يطلبه الصندوق”.
بالأمس كشف وفد صندوق النقد المستور ووضع الملامة على مجلس النواب والحكومة متّهما اياهما بالتأخّر في اتمام الاصلاحات الماليّة المطلوبة، قالها رئيس الوفد ارنستو راميرز صراحة خلال الزيارة الى بعبدا “الغموض الذي ساد على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعيّة، لا سيّما لجهة القيام بما يلزم من إصلاحات للنهوض بالإقتصاد اللبناني، خصوصاً أن كل تأخير يؤدي إلى خسارة لبنان وقتاً ونتائج”، عاد بعدها ليشدّد على ضرورة استعادة الثقة بالقطاع المالي والمصرفي المتمثل بمصرف لبنان والمصارف، نظراً لفقدان الثّقة بهذين القطاعين، مشددا على أنه “يجب الاعتراف بالخسائر الكبيرة في القطاع المصرفي اللبناني ومعالجتها ويجب حماية صغار المودعين في لبنان بشكل كامل”.
صوّب وفد الصندوق على مشروع قانون السرّية المصرفيّة مضيئا على الشوائب فيه، تطرّق الى عدم وجود اطار لمكافحة الفساد، والابقاء على العقبات المتعلقة باعادة هيكلة المصارف وعدم تحسين الإدارة الضريبيّة، عدم وجود تحقيقات في الجرائم الماليّة، عدم بذل جهود لاستعادة الأموال المختلسة وإعادة الأموال المحوّلة بطريقة غير مشروعة إلى الخارج.
أمام هذا الكلام تؤكّد مصادر مشاركة في المفاوضات مع صندوق النقد لـ”النشرة” الى أن “كلام رئيس الوفد جاء في اطار حثّ اللبنانيين على اتمام الاصلاحات اللازمة، فما يريده الصندوق هو الاسراع فيها لإتمام الاتفاق المطلوب”.
بدوره مستشار وزير الاقتصاد السابق المشارك في وضع خطة لازارد ميشال فياض رأى عبر “النشرة” أنه “ودون أدنى شك تعرّض المسؤولون في لبنان للتوبيخ، وهذا واضح مما صدر عن صندوق النقد ورئيسه الذي انتقد عمل الحكومة واللجان البرلمانيّة للماليّة والميزانيّة والإدارة والعدل وعدم وجود عمل للإصلاح، كذلك صوّب الصندوق على مشروع قانون السرّية المصرفية واضاء على الشوائب فيه”، مضيفا: وفقًا للصندوق، فإنّ التنفيذ البطيء للإصلاحات سيزيد من التكاليف على الدولة والسكّان ويعرّض الخدمات العامّة للخطر، سوف يتسارع التدهور الاجتماعي للبنانيين مع إنهاء الدعم، والمزيد من البطالة والفقر.
“جدّد صندوق النقد الدولي رغبته في حماية صغار المودعين ورفضه تقليص خسائر مساهمي البنوك بتبديد أصول مصرف لبنان من الذهب والعقارات وغير العقارية للدولة وسواحل البلاد لتغطية الخسائر لأنّها ملك لجميع اللبنانيين والمودعين”. هذا ما يؤكّده ميشال فياض، لافتا الى أنّ “وجود الكثير من أسعار الصرف هو رقم قياسي عالمي يخلق فرصاً للفساد”، مؤكّدا في الختام أنه “إذا لم يساعد لبنان نفسه فلا أحد سيساعده”.
فهل يجرؤ المسؤولون اللبنانيون على اتخاذ القرار السياسي لإنقاذ لبنان أم أنّهم تعوّدوا على ذهنيّة المافيا والعصابات الاجراميّة؟!.