بعد أن ذهب رئيس الجمهورية ميشال عون إلى تبنّي، صراحة، وجهة النظر التي تقول بعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال على تسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية، الأمر المرفوض من قبل العديد من الجهات السياسية الأخرى، بات من الضروري البحث عن المرجعيّة القادرة على حسم هذا الجدل، خصوصاً أن الوصول إلى هذا السيناريو، في ظلّ العقبات التي قد تحول دون ولادة حكومة جديدة أو إنتخاب رئيس جديد، أمراً وارداً بقوة.
من حيث المبدأ، الخلاف في وجهات النظر في تفسير مادّة دستورية، كان من الممكن حسمه من خلال العودة إلى الجهة المخوّلة تفسير الدستور، أيّ المجلس النيابي، لكن التدقيق في الآليّة يؤكّد أنّ من الصعب أن يتولى المجلس هذه المهمّة اليوم، لا بل رمي الكرة في ملعبه قد يقود إلى ما هو أخطر.
في هذا السياق، تشرح مصادر قانونية، عبر “النشرة”، أنّ من حق مجلس النواب أن يفسر الدستور بقانون دستوري، أيّ أنّ التفسير يجب أن يتم وفق أصول تعديله، سواء كان ذلك لجهة المبادرة أو النصاب أو الأكثرية المطلوبة لذلك، عملاً بقاعدة الموازاة في الأصول والصيغ.
بناء عليه، تلفت هذه المصادر إلى أنّ تفسير أيّ مادّة في الدستور يتطلب موافقة ثلثي مجلس النواب لإقراره، أي توافر غالبية موصوفة مماثلة للغالبية المطلوبة لتعديل الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية، الأمر الذي من المستبعد أن يتوفر في ظلّ الإنقسامات القائمة في المجلس الحالي، كما أنّ تفسير الدستور يماثل تعديله، إذ أنّ تفسير المادة الدستوريّة قد يفضي إلى صيغة أخرى للمادّة المذكورة ما يجعلها مادة جديدة.
بالنسبة إلى الآلية المعتمدة في التعديل، يحدّد الدستور اللبناني مسارين: الأول يكون بناء على إقتراح رئيس الجمهوريّة، فتقدم الحكومة مشروع قانون إلى مجلس النواب، بحسب المادة 76، أما الثاني فيكون بناء على طلب مجلس النواب، حيث تتحدث المادة 77 عن أنه يحق لمجلس النواب خلال عقد عادي، بناء على إقتراح 10 من أعضائه على الأقل، أن يبدي اقتراحه بأكثرية الثلثين من مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، فيبلغ رئيس المجلس ذلك الاقتراح إلى الحكومة طالباً إليها أن تضع مشروع قانون في شأنه.
وبعيداً عن الدخول في تفاصيل الآلية المعتمدة في كيفية وضع مشروع القانون من قبل الحكومة، التي تتطلب أيضاً أن يتمّ الموافقة عليه بأغلبية الثلثين في مجلس الوزراء، توضح المصادر القانونية نفسها أنه في المسارين الأمر يتطلب وجود حكومة أصيلة، في حين أن وجود هكذا حكومة يعني إنتفاء الحاجة إلى الذهاب إلى هذا البحث برمّته، نظراً إلى أنه لن يكون هناك من حاجة لتفسير الدستور، على إعتبار أنها ستكون قادرة على تسلّم صلاحيات رئيس الجمورية.
في المحصّلة، تلفت هذه المصادر إلى أنّ الموضوع كان من الممكن أن يكون سهلاً، فيما لو كانت صلاحية تفسير الدستور في يد المجلس الدستوري، بحسب ما كان قد ورد في وثيقة الوفاق الوطني، وترى أن الواقع الراهن يؤكّد أن الوصول إلى هذه المرحلة يعني الفوضى على كافّة المستويات، حيث يستطيع كل فريق أن يتمسك بوجهة نظره، من دون أن يكون هناك من جهة تملك الصلاحية قادرة على حسم الجدل.