للدلالة على وجود أثر جمهرة النجوم الثالثة يتطلب الأمر مزيدًا من الفحص بتلسكوبات قوية مثل جيمس ويب لاستخراج عدد من الخصائص التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك رصد أقدم نجوم الكون على الإطلاق.
أعلن فريق بحثي دولي عن التقاط الأثر الكيميائي لما يسمى “جمهرة النجوم الثالثة” التي تعد أول وأضخم نجوم ظهرت في هذا الكون على الإطلاق، حيث نشأت بعد 100 مليون سنة فقط من لحظة الانفجار العظيم.
رصد دقيق عبر التلسكوب
وللتوصل لتلك النتائج، التي نشرت مؤخرًا بدورية “ذا أستروفيزيكال جورنال” The Astrophysical Journal، قام الباحثون باستخدام تلسكوب “جيمني” الشمالي، وهو أحد تلسكوبين يبلغ قطر كل منهما 8.1 أمتار، يتبعان “مرصد جيمني الدولي” Gemini Observatory، وهما موجودان في موقعين منفصلين، الشمالي في هاواي، والجنوبي في تشيلي.
وقام الفريق بتحليل البيانات الناتجة من رصد واحد من أبعد الكوازارات Quasar المعروفة (وهي مناطق غازية ساخنة تحيط بثقب أسود هائل) حيث يقع على مسافة 13.1 مليار سنة ضوئية، التي هي وحدة لقياس المسافة حيث تساوي حوالي 9.5 تريليونات كيلومتر.
وبحسب الدراسة، فقد استخدم الباحثون طريقة حسابية وتقنية مبتكرة لاستنتاج تركيب العناصر الكيميائية الموجودة في الغيوم المحيطة بالكوازار، ولاحظوا وجود تركيب غير عادي بالمرة، حيث احتوت تلك الغيوم على الحديد بكم يساوي أكثر من 10 أضعاف المغنيسيوم.
ويفترض الباحثون أن تلك النسبة تحديدًا، وتعد غير معتادة بالكون الآن، هي أشبه ما يكون بـ “بصمة” تعبر عن انفجار نجوم من فئة “جمهرة النجوم الثالثة” Population III stars في هذا المكان.
أقدم النجوم على الإطلاق
وبحسب النظريات السائدة حاليًا في نطاق الفيزياء الفلكية، فإن العناصر التي تم إنشاؤها بعد الانفجار العظيم هي الهيدروجين (بنسبة 75%) والهيليوم (25%) مع جزء صغير جدًا من عناصر خفيفة أخرى مثل الليثيوم والبريليوم. وقد ولدت النجوم الأولى بالكون من هذه العناصر، دون أي تلوث بالمعادن الثقيلة مثل الحديد، على عكس النجوم الموجودة حاليًا.
ويفترض العلماء بهذا النطاق أن كثافة الهيدروجين الشديدة، في 100 مليون سنة الأولى من تاريخ الكون، تسببت في ميلاد نجوم غاية في الضخامة تتراوح بين 150 و250 مرة من كتلة الشمس، وقد انفجرت هذه النجوم نهاية حياتها بشكل هو الأقوى في الكون، ومن بقايا الانفجار خرجت عناصر كيميائية جديدة تختلف في نسبها عن النجوم الحالية.
وبحسب الدراسة، فإن نسبة الحديد للمغنيسيوم المكتشفة تتفق مع مستعرات أعظمية من هذا النوع، وبالتالي تؤشر على وجود جمهرة النجوم الثالثة.
كلمة الحسم عند جيمس ويب
لكن على الرغم من ذلك، لا تعد هذه النتائج تأكيدًا تامًا على وجود أثر جمهرة النجوم الثالثة، بحسب بيان صحفي رسمي صادر عن “معامل نوير” NOIRLab، وهي جهة بحثية حكومية أميركية تدير مشروع “جيمني” حيث يتطلب الأمر مزيدًا من الفحص بتلسكوبات قوية مثل جيمس ويب، لاستخراج عدد من الخصائص الأخرى التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك رصد أقدم نجوم الكون على الإطلاق.
وحينما يحدث ذلك، سيكون الإعلان الأول في التاريخ عن وجود جمهرة النجوم الثالثة والتي تظل فرضية حتى لحظة كتابة هذه الكلمات.