والقرية هي شبرا بلوله التابعة لمركز القطور بمحافظة الغربية شمال القاهرة.
وتنتج القرية وحدها قرابة نصف الإنتاج العالمي من محصول الياسمين، وبحسب الاتحاد الدولي للزيوت والعطور بلغ إنتاج مصر من عجينة الياسمين 6 أطنان عام 2020، حيث يعد الياسمين عنصرا أساسيا في إنتاج العطور.
ويستخدم الياسمين المُصدر من قرية شبرا بلوله في صناعة أشهر العطور العالمية خاصة الفرنسية منها.
يقول المهندس محمد حسين الكرابيجي، الذي يمتلك أرضا لزراعة الياسمين في قرية شبرا بلولة ويعمل كمدير للتصدير في شركة الغربية ألوماتيك لإنتاج الزيوت العطرية، إن القرية تنتج أكثر من نصف الإنتاج العالمي من عجينة الياسمين.
ويضيف أنه يعمل في القرية وما جاورها قرابة 60 ألف شخص في هذه العملية.
يقوم الفلاحون بزراعة معظم أراضي قرية شبرا بلوله بالياسمين الذي يبلغ ارتفاعه قرابة متر عن سطح الأرض، ويشكل مصدر رزقهم الرئيسي، ويشرعون في الحصاد خلال النصف الثاني من العام من شهر يونيو حتى ديسمبر، وتمتاز عملية الحصاد بانتشار نسيم الياسمين ذو الرائحة الجميلة بين الحقول.
وأوضح الكرابيجي في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن زراعة الياسمين بدأت في مصر في ستينيات القرن الماضي على يد شخص يدعى أحمد فخري الذي كان يدرس في فرنسا، وجلب معه زهور الياسمين وزرعها في إقطاعية كان يملكها ومساحتها قرابة 100 فدان، ورغم امتلاكه أراض أخرى في مصر لكنه فضل شبرا بلولة بسبب نوعية التربة الطينية المناسبة لزراعة الياسمين وتوافر المياه والمناخ المناسب.
وقال: “بعد ذلك بدأ الفلاحون يزرعون الياسمين في أراضيهم، ويشاركون في الإنتاج مع أحمد فخري، عن طريق توريد هذه الزهور لمصنع الزيوت العطرية الذي أنشأه بعد ذلك، وكذلك توريد منتجاتهم لمصانع أخرى”.
استخدامات الياسمين المتنوعة
يبين الكرابيجي أن: “الياسمين المصري يتميز بجودته العالية ويعتبر الأجود عالميا، وذلك رغم منافسة الهند، ويستخدم الياسمين في العديد من الصناعات مثل صناعة العطور، ومواد التجميل، والصناعات الطبية مثل زيوت التخدير، فالياسمين منتج خام يتحكم في الكثير من المنتجات”.
وأضاف: “عملية إنتاج عجينة الياسمين، تحتاج لأجهزة حديثة وجهود لتحويل المادة الخام للياسمين إلى منتجات نهائية تنافس في السوق العالمي، لكن يصعب منافسة بعض الدول في منتجاتها مثل فرنسا في إنتاج العطور، لكن يمكن الاتفاق مع الشركات التي تستورد من مصر الزيوت العطرية على فتح أفرع لها في مصر، ليصبح الإنتاج يحمل العلامة التجارية ذات الجودة العالمية ولكن بأيد مصرية”.
مخاوف
الكرابيجي أبدى تخوفه من تراجع إنتاج مصر من الياسمين، عازيا ذلك لعدة أسباب أهمها احتكار المصانع.
وأضاف: “هذا المجال يعمل فيه القطاع الخاص ولا تتدخل الحكومة فيه، حتى باتت الشركات القليلة القائمة على إنتاج الزيوت العطرية هي المتحكمة في الأمر، فمثلا شجرة الياسمين من الممكن أن تعطي إنتاجا لمدة 180 يوم بدءا من شهر يونيو حتى نهاية ديسمبر، لكن الشركات الخاصة هي من تحدد بداية ونهاية موسم زراعة الياسمين وفقا لمصالحها، وهي من تحدد الأسعار، ومواصفات الاستلام، وهي من تتحكم في كل شيء تقريبا”.
وتابع: “توجد ثلاثة مصانع فقط في مصر تتحكم في المجال بأكمله، وهو ما قلل من القدرة الإنتاجية، بسبب ضعف استفادة الفلاح المصري الذي يزرع الياسمين من العملية، فمثلا الزيوت العطرية تباع لدول الاتحاد الأوروبي وفرنسا تحديدا بما يزيد عن 4 أو 5 أضعاف تكلفة إنتاجها في مصر، لكن 90 في المئة من عوائد زراعة الياسمين يذهب لمصانع الزيوت العطرية، وبالتالي لا يشعر الفلاح بأنه يستفيد من الأمر وينصرف عن زراعته إلى محاصيل أخرى أكثر فائدة له”.
وأردف أن: “المصانع استغلت حاجة السوق العالمي وقللت من جودة منتجاتها، وعندما ظهرت منافسة شديدة من الهند التي بدأت تزرع الياسمين، بدأت تتجه الأنظار إليها كبديل، خاصة مع وفرة العمالة لديها، وسعيها لحل بعض المشاكل التي تواجه زراعة الياسمين في مصر”.
ولحل هذه الأزمة دعا “الكرابيجي” الحكومة للإشراف على زراعة الياسمين في مصر وتنظيمها، وعدم تركها في يد أفراد قليلة تحتكر العملية، إضافة إلى تحسين أحوال الفلاح الذي يزرع الياسمين.
الياسمين وسيلة للجذب السياحي
ويلفت الكرابيجي إلى أن قرية شبرا بلولة بدأت في الآونة الأخيرة الاستفادة من عملية زراعة الياسمين فيها من الناحية السياحية، حيث يتم فيها تنظيم رحلات لزيارة للقرية، ومشاهدة زراعة الياسمين فيها، والمساهمة في الحصاد لو أراد الزائرون.
إضافة إلى معايشة حياة المزارعين خلال الزيارة، وطبيعة الطعام في القرية، وبالفعل بدأ الأمر يصبح مصدرا للجذب السياحي، حيث يصل قرابة 300 فرد للسياحة أسبوعيا، وهو رقم جيد من حيث البداية ويمكن التوسع فيه بعد ذلك، لنقوم بعمل مهرجان للورد أو لزراعة الياسمين بعد ذلك.