وكانت عدن أول مدينة عربية تزورها ملكة بريطانيا الراحلة بعد نحو عامين من توليها العرش، وكان ذلك عام 1954، لكن الزيارة لم تكن رسمية.
واستقبلت مدينة عدن، التي كانت آنذاك إحدى المستعمرات البريطانية، في صبيحة الـ27 من أبريل من ذلك العام، الملكة إليزابيث الثانية مع زوجها الأمير فيليب، في مراسم أقيمت بميناء مديرية التواهي أو ما كانت تعرف بـ”ستيمر بوينت”، بعرض عسكري كبير بالآلات الموسيقية وبحضور المئات من أهالي عدن.
واصطف جنود الحرس الملكي على طول رصيف الميناء يلقون التحية العسكرية للملكة البريطانية الشابة التي كان عمرها آنذاك لا يتجاوز الثلاثين، وبدأت باستقبال عدد من قيادات ورموز عدن وقتها الذين قدموا لاستقبالها والترحيب بها، بعد أن تم استقبالها بأكاليل من الزهور المقدمة من طالبات مدارس عدن.
“قطعة مصغرة من بريطانيا”
وكانت مديرية التواهي حينها، تبدو كقطعة مصغرة من بريطانيا، حيث كان مجسم ساعة يشبه ساعة “بيغ بن” يقع في أعلى الجبل المطل على الميناء، وعلى امتداد نظر الزوار والقادمين إلى المدينة، بحسب مؤرخين. بالإضافة إلى نصب ومجسمات عديدة منتشرة في المديرية شيدها الاستعمار البريطاني لرموزه، ومنها مجسم حجري للملكة فيكتوريا، ورصيف السواح، وفنادق وبنايات أخرى مبنية على الطراز المعماري البريطاني القديم، ومنها فندق كريسنت “الهلال”، وفندق روك “الصخرة”، وأخرى عديدة لا يزال معظمها قائما حتى اليوم، فيما أخرى طالها العبث والإهمال.
ولم تدم زيارة الملكة إليزابيث الثانية لمدينة عدن كثيرا، حيث يؤكد عدد من المؤرخين والمهتمين بتاريخ عدن، أن الزيارة استمرت يوما واحدا فقط، كما جاء في كتاب المؤرخ العدني بلال غلام حسين، الحامل للجنسية البريطانية.
وزارت الملكة إليزابيث الثانية خلال هذا اليوم الذي قضته في عدن، عددا من الأماكن والمستشفيات والمعالم والمشاريع التي نفذتها بريطانيا في تلك الفترة، ومنها مستشفى باصهيب العسكري، ومستشفى الملكة إليزابيث “الجمهوري”، ومصافي عدن، بالإضافة إلى عدد من الحدائق والشركات البريطانية وغيرها.
ويشير مؤرخون وباحثون في تاريخ عدن، إلى أوراق ومستندات رسمية توضح جدول الزيارات التي قامت بها الملكة إليزابيث في ذلك اليوم، كما تشير تلك المستندات إلى تخصيص جزء من وقت الملكة لاستقبال عدد من رموز ووجاهات عدن.
مواقف في الزيارة
وعدد المؤرخ بلال غلام بعضا من المواقف والأحداث التي رافقت زيارة الملكة إليزابيث لعدن، ومنها أنه تم اختيار شاب عدني يدعى محمود محفوظ علي، ليكون السائق الرسمي لقيادة المركبة الخاصة التي أقلت الملكة إليزابيث وزوجها الدوق فيليب خلال زيارتهما للمدينة، بالإضافة إلى وقوع القرعة على طالبة في الصف الرابع الابتدائي وتدعى عائشة عبد العزيز، لتقوم بتقديم باقة من الورود للملكة.
ووفقا لبلال غلام، تم أيضا اختيار طالب خطاط في المعهد التجاري ويدعى إبراهيم خان ليخط رسالة الترحيب بالملكة، مستخدما المداد الأسود، والتي نالت استحسان مدير دائرة المعارف حينها، مشيرا إلى أن 44 امرأة فقط من نساء عدن المحجبات تمكنَّ من مقابلة الملكة إليزابيث في إحدى حدائق مديرية الشيخ عثمان مساء ذات اليوم.
يذكر أن أبناء عدن وكل من عايش تلك الحقبة الزمنية، تجدهم يستمتعون في كتابة تلك الذكريات التي يرونها تمثل عصرا ذهبيا بالنسبة لعدن، على الرغم من أنها كانت مستعمرة تابعة لبريطانيا طيلة 129 عاما.