رغم أنّ المهلة القانونية المُتاحة للمجلس الدستوري لدرس الطعون المقدّمة أمامه بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة لا تزال مفتوحة ولم تقفَل، بدأت “التكهّنات” تتصاعد في الأيام الأخيرة، في الأوساط السياسية والصحافية، حول نتائج هذه الطعون، وما سيرتّب عليها من “إسقاط” لعضوية بعض النواب، بل “قلب للموازين” قبيل الانتخابات الرئاسية، بما يؤثر على “المعادلات” التي ترتبط بالاستحقاق الداهم وتتحكّم به.
في هذا السياق، لفتت “تغريدة” رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي تحدّث فيها عن “ضغوط كبيرة” تُمارَس على أعضاء المجلس الدستوري من جانب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” للتلاعب بالطعون الانتخابية بغية نقل أربعة مقاعد من المعارضة إلى الموالاة، في مناطق مختلفة، حدّد “الحكيم” اثنين منها، هما مرجعيون وطرابلس.
ومع أنّ المجلس الدستوري سارع لنفي كل ما يُحكى في هذا الشأن، كاشفًا أنّه لا يزال في طور التحقيق بالطعون المقدّمة أمامه، فإنّ علامات استفهام بالجملة تُطرَح عن دلالات “التسريبات”، سواء من حيث المضمون أو التوقيت، تزامنًا مع تصاعد “التعبئة الرئاسية”، إن جاز التعبير، ومدى ارتباطها بـ”تسريبات” أخرى تتحدّث عن أنّ رئيس البرلمان لن يدعو لجلسات انتخاب الرئيس قبل انتهاء شهر أيلول، ريثما تأخذ نتائج الطعون “مسارها“.
مخطط “حزب الله”؟
يقول البعض إن الهواجس التي عبّر عنها جعجع في تغريدته الشهيرة مشروعة، خصوصًا أنّ كلامه لم يأتِ من العدم، أو منعزلاً، إذ إنّ بعض المواقع الإعلامية ومنصّات التواصل الاجتماعي تتداول منذ أيام معلومات عن اتجاه المجلس الدستوري لقبول عدد من الطعون الانتخابية، بينها ذلك المقدّم عن دائرة مرجعيون بحق النائب فراس حمدان، والذي يملك “رمزيّة خاصة” بالنسبة إلى كثيرين.
ويضع المحسوبون على “القوات” هواجس “الحكيم” في إطار توجّسه من مخطط يقول إنّ “حزب الله” بدأ العمل بموجبه في الفترة الأخيرة، في محاولة لا لقلب موازين القوى في البرلمان فحسب، بل لاستعادة “أكثريته” بشكل أو بآخر، وقد بدأه بالتقارب مع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، لإبعاده عن قوى المعارضة بالحدّ الأدنى، وضمان عدم خوضه أيّ “مواجهة” معه على مستوى الانتخابات الرئاسية، وهو ما تجلى في مواقف “البيك” الأخيرة.
ومع أنّ “الاشتراكيين” لا يزالون يؤكدون أنّهم لن يصوّتوا لمرشح رئاسي يمثل “8 آذار”، فإنّ أوساط “القوات” تعتقد أنّ “حزب الله” ماضٍ في مخططه، لمنع أيّ فرصة لـ”توحيد” المعارضة، وقد أصبحت ممكنة أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال “تعقيد” الأمر عليها أكثر، وهو يضغط على أعضاء المجلس الدستوري لهذا السبب بالتحديد، لعلّه يستطيع أن يؤمّن أكثرية “مريحة” تسمح له باستعادة زمام المبادرة رئاسيًا، ولو من خلال “تسوية ما“.
هل من انقلاب؟
يقول “القواتيون” إنّ التسريبات التي يتمّ تداولها حول نتائج الطعون غير “بريئة”، خصوصًا أنّها تتركّز على مقاعد بالمعارضة يُراد نقلها إلى “أحضان” الموالاة، في حين أنّ مرشحين يمثّلون المعارضة قدّموا “طعونًا مبكّلة” أمام المجلس الدستوري، إلا أنّ أحدًا لا يشير إليها، ما يوحي بأنّ النتائج إن صدرت وفقًا للتسريبات المتداولة، ستكون “مسيَّسة”، بما يخدم معسكر “حزب الله” في مقاربة الاستحقاق الرئاسي.
ويقول البعض إنّ التوجّس الذي يعبّر عنه المعارضون في هذا الإطار أكثر من مشروع، ولا سيما أنّ هناك علامات استفهام مطروحة في بعض الأوساط حول “حيادية ونزاهة” المجلس الدستوري أساسًا، وقدرته على النظر في الطعون واتخاذ القراراته، في حين أنّ محطّات عدّة في الماضي القريب أثبتت قدرة القوى السياسية على التدخل في عمله، وصولاً إلى شلّه، بدليل عجزه عن اتخاذ قرار في الطعن الذي قُدّم بقانون الانتخاب أمامه قبل فترة.
ولعلّ ما يزيد من أهمية هذه الهواجس، وفق ما يقول المطّلعون أنفسهم، يكمن في التسريبات المتزامنة حول أنّ الانتخابات الرئاسية ستكون “مؤجّلة”، خلافًا لكل ما كان يُحكى سابقًا عن أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سيدعو إلى إجرائها بمجرد بدء المهلة الدستورية المنصوص عنها في الأول من أيلول المقبل، وهو ما يوحي برأي البعض أنّ هناك من يريد “انتظار” معطيات المجلس الدستوري التي قد تغيّر “قواعد اللعبة” على الأرض.
يقول العارفون إنّ التسريبات المتداولة قد لا تكون أكثر من “تكهّنات”، باعتبار أنّ نتائج الطعون لا بدّ أن تظهر في المدى المنظور، وثمّة “ترقّب” لها في العديد من الأوساط. وإذا كان التوجس من هذه النتائج مشروعًا، للعديد من الأسباب، فإنّ الحديث عن “انقلاب” ستؤسس له، يبدو مُبالَغًا به بالنسبة إلى كثيرين، خصوصًا أنّ “أكثريات” المجلس تبدو “ضائعة” بين الموالاة والمعارضة في كلّ الأحوال، بطعون ومن دونها!