تمثل قطعة من الأرض، بحجم ولاية كاليفورنيا تقريبا، في تشيلي، أحد أهم المصادر الموجودة في الطبيعة لمعدن الليثيوم، حتى إنها تسمى “سعودية الليثيوم” نسبة إلى كون السعودية أكبر دولة نفطية في العالم، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنل الأميركية.
لكن الليثيوم الموجود في الأرض ليس سهل الاستخراج، وهذا لا يعود لمشاكل طبيعية أو صناعية، وإنما لاعتراضات السكان المحليين الذين أفلحوا في وقف عقد مع شركة BYD الصينية العملاقة للسيارات الكهربائية مؤخرا.
ومنحت الحكومة التشيلية الشركة عقدا لتعدين الليثيوم، لكن السكان الأصليين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بإلغاء المناقصة بسبب مخاوف بشأن التأثير على إمدادات المياه المحلية.
وفي يونيو، ألغت المحكمة العليا التشيلية الصفقة، قائلة إن الحكومة فشلت في التشاور مع السكان الأصليين أولا.
ونقلت الصحيفة عن رئيسة واحدة من قريتين للسكان الأصليين في أتاكامينو، المنطقة الغنية بالليثيوم، قولها “إنهم يريدون إنتاج المزيد والمزيد من الليثيوم، لكننا نحن الذين ندفع الثمن”.
وتحدث انتكاسات مماثلة حول ما يسمى مثلث الليثيوم، الذي يتداخل مع أجزاء من شيلي وبوليفيا والأرجنتين.
وفي وقت تصاعد فيه الطلب الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الليثيوم بنسبة 750٪ منذ بداية عام 2021، يشعر محللو الصناعة بالقلق من أن أميركا الجنوبية قد تصبح العائق الرئيسي للنمو في السيارات الكهربائية.
ويتزايد الاتجاه نحو صناعة المحركات الكهربائية، خاصة في قطاع السيارات الذي يتوقع ان يصبح كهربائيا بالكامل في العقود القليلة المقبلة، لكن عقبة رئيسة تقف أمام هذا التحول، هي نقص الليثيوم الضروري لصناعة البطاريات القابلة للشحن والقوية بما يكفي لتدوير محرك سيارة أو شاحنة، أو ربما حتى طائرة لاحقا.
وفي بوليفيا، أممت الحكومة صناعة الليثيوم منذ سنوات ولم تنتج بعد كميات كبيرة من المعدن. المكسيك، وهي لاعب أصغر، قامت أيضا مؤخرا بتأميم الليثيوم. وفي الأرجنتين، بدأ الإنتاج في الانطلاق.
أما في تشيلي، حيث يخضع الليثيوم بالفعل لرقابة مشددة، تخطط حكومة الرئيس غابرييل بوريتش اليسارية الجديدة لإنشاء شركة ليثيوم حكومية بعد انتقاد عمليات الخصخصة السابقة للسلع الخام باعتبارها خطأ.
ومن شأن دستور جديد، إذا تمت الموافقة عليه في استفتاء أجري في سبتمبر، أن يعزز القواعد البيئية وحقوق السكان الأصليين في التعدين.
وقبل بضع سنوات، كانت تشيلي أكبر منتج لليثيوم في العالم، وفي حين وسعت تشيلي الإنتاج في عملياتها الحالية بنسبة 80٪ منذ عام 2016 إلى حوالي 140،000 طن، إلا أنها لم تفتح منجما جديدا منذ حوالي 30 عاما. وهي تنتج الآن حوالي نصف إنتاج أستراليا، التي ضاعفت إنتاجها أربع مرات في السنوات الخمس الماضية.
وعلى عكس النفط، الذي يتم إنتاجه في جميع أنحاء العالم، فإن الليثيوم أقل شيوعا.
وأميركا الجنوبية وأستراليا والصين هي المواقع الرئيسية، وفيما يتم استخراج الليثيوم من الصخور الصلبة خارج القارة، فإنه يوجد في المياه الجوفية المالحة التي تتبخر بواسطة الشمس بعد ضخها في أحواض كبيرة من صنع الإنسان.
ويشعر المسؤولون التشيليون ودعاة حماية البيئة بالقلق إزاء التأثير على إمدادات المياه.
ويعتقد دعاة حماية البيئة أن التعدين تسبب في جفاف بعض البحيرات القريبة التي تستقطب طيور النحام البرية التي تعتمد عليها في التغذية على الروبيان وبناء الأعشاش.
وينفي عمال مناجم الليثيوم أن تكون عملياتهم قد أثرت على البحيرات التي يراقبونها مع المجتمعات المحلية.
ومع تضرر الاقتصادات من الوباء ومعاناة الناس من ارتفاع التضخم، يقول مسؤولون في بعض دول أميركا اللاتينية إن سيطرة الدولة القوية على الليثيوم ستساعد في تعزيز التنمية المحلية وتأمين الخزائن العامة.
ومع ذلك، فهي مقامرة تخاطر بإخراج إنتاج الليثيوم عن مساره إذا كانت مطالب الحكومة تجعل من الصعب على المستثمرين الأجانب ذوي الخبرة ورأس المال بناء المناجم، كما يقول محللو الصناعة.
وفي الوقت نفسه، تخاطر الشركات العامة بسوء إدارة الموارد في منطقة لطالما غرقت فيها الشركات التي تديرها الدولة في الفساد والمحسوبية.
وقامت بوليفيا، وهي واحدة من أفقر دول العالم، بتأميم الليثيوم في عام 2008 في عهد الرئيس السابق إيفو موراليس، الذي وعد بتحويل البلاد إلى قوة تعدين تبني البطاريات والسيارات الكهربائية.
وأنشأت الحكومة شركة ليثيوم حكومية وأنفقت نحو 900 مليون دولار على مصنع وبنية تحتية أخرى لاستخراج الليثيوم.
وبعد سنوات من افتتاح المصنع في عام 2013، أصبح الإنتاج غير موجود تقريبا.
وفي عام 2021، أنتجت بوليفيا 540 طنا فقط من كربونات الليثيوم، أي ما يعادل إنتاج يوم ونصف في تشيلي.
وكانت الأرجنتين هي النقطة الأكثر سطوعا لإنتاج الليثيوم في أميركا الجنوبية، التي كانت حتى الآن أكثر انفتاحا على الاستثمار الخاص، وهي مصدر للعملة الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها للحكومة التي تعاني من ضائقة مالية.
ونتيجة لذلك، تلقت البلاد تدفقا من المستثمرين، مثل شركة التعدين الأنجلو-أسترالية ريو تينتو بي إل سي، وشركة غانفنغ ليثيوم الصينية لصناعة البطاريات، وشركة إيراميت الفرنسية متعددة الجنسيات.
ويمكن أن يكون لدى الأرجنتين 19 منجما لليثيوم بحلول عام 2031، ارتفاعا من اثنين الآن، ويمكن أن يصل الإنتاج السنوي إلى 230 ألف طن بحلول نهاية العقد الحالي، بزيادة ستة أضعاف تقريبا عن الآن، وفقا للحكومة.