قالت دراسة علمية نُشرت نتائجها في المؤتمر الأوروبي لعلم الأدوية العصبية والنفسية الذي انعقد في العاصمة النمساوية فيينا، إن اتباع نظام غذائي صحي وتجنب مشاهدة أو قراءة الأخبار ساهما في منع القلق والاكتئاب أثناء وباء كورونا المستجد بشكل أفضل حتى من التفاعل مع الأصدقاء أو اتباع روتين رياضي أو ممارسة الهوايات.
وقام فريق من العلماء بعقد مجموعة من المقارنات بين الأنشطة الصحية المختلفة للوقوف على أفضل التدابير التي يُمكن اتخاذها للتقليل من القلق والاكتئاب أثناء وقوع الأحداث الجسيمة، لا سيما وباء كورونا المستجد.
ووجد الباحثون أن جائحة كورونا زادت من القلق وأعراض الاكتئاب لدى السكان. وتوصي السلطات والهيئات الصحية بالعديد من السلوكيات للتعامل مع ذلك النوع من المصائب.
لكن لم تتبع أيّ من الدراسات تأثير هذه السلوكيات على القلق وأعراض الاكتئاب بمرور الوقت. كما لم يُقدم أيّ دليل علمي على مدى تأثير تلك السلوكيات على الصحة النفسية للأفراد.
وفي الدراسة الجديدة، تابع الباحثون 942 بالغاً إسبانياً لمدة عام واحد.
وكل أسبوعين قام المتطوعون بتقييم تكرار 10 سلوكيات تأقلم مختارة. وقام الباحثون باستخدام طُرق تحليل نفسية لتقييم مستويات القلق والاكتئاب لديهم.
تحليل السلوكيات
في نهاية الفترة قام الباحثون بتحليل السلوكيات خلال وقت معين والتي ارتبطت بأعراض أقل للقلق والاكتئاب في الأسابيع الأربعة اللاحقة.
ووجدوا أن بعض السلوكيات التي تمت مراقبتها كانت مرتبطة بالتعامل بشكل أفضل أثناء جائحة كورونا المستجد.
وشملت هذه السلوكيات اتباع نظام غذائي صحي متوازن، وعدم المتابعة المستمرة لتحديثات الأخبار حول كورونا المستجد، وممارسة الرياضة البدنية، والبقاء في الهواء الطلق، وشرب الماء.
من ناحية أخرى، كان لبعض السلوكيات التي كان يُعتقد عموماً أنها مفيدة، مثل التحدث مع الأقارب أو الأصدقاء، أو ممارسة هواية، تأثيراً أقل على نتائج الصحة العقلية التي تم التحقيق فيها في هذه الدراسة.
ويقول الباحثون إن النتائج شكلت مفاجأة “فمثل الكثير من الناس، افترضنا أن الاتصال الشخصي سيلعب دوراً أكبر في تجنب القلق والاكتئاب خلال الأوقات العصيبة”.
وكان من الصعب استخلاص العلاقات بين السلوكيات والأعراض لأن الباحثون كانوا ينظرون للنتائج في نهاية التجربة بدلاً من متابعة المتطوعين لحظة بلحظة.
على سبيل المثال، في دراسة تجريبية سابقة، وجد نفس الفريق البحثي أن أولئك الذين اتبعوا هواية أظهروا قلقاً واكتئاباً أقل.
ومع ذلك، لم يعرف الباحثون ما إذا كان الناس يمارسون الهوايات أولاً ثم يشعرون بالراحة والسعادة. أو بالعكس، يشعر الناس أولاً بالراحة والسعادة، ثم تجعلهم هذه المشاعر يتابعون الهوايات.
لكن هذه الدراسة فريدة من نوعها، فهي مبنية على الأدلة التي تم جمعها عبر متابعة طويلة.
ويعتقد الباحثون أنه من المهم أن يستمر الأشخاص في متابعة ما يناسبهم وأنه “إذا كنت تستمتع برؤية الأصدقاء أو متابعة هواية ما، فيجب أن تستمر في القيام بذلك”.
تفادي القلق
ومع ذلك، بناءً على هذه النتائج، يوصي الباحثون الجميع باتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، وتجنب مشاهدة الأخبار المجهدة كثيراً، وقضاء المزيد من الوقت في الهواء الطلق، والقيام بأنشطة الاسترخاء، وممارسة الرياضة البدنية.
ركز ذلك العمل بشكل خاص على جائحة كورونا، كونها ظرف عالمي مُجهد وحالي، ويقول الباحثون إنهم بحاجة إلى معرفة ما إذا كانت هذه العوامل تنطبق على الظروف المجهدة الأخرى. لكنهم يعتقدون أيضاً أن السلوكيات البسيطة قد تمنع القلق والاكتئاب في الأحداث الشبيهة.
وتعليقاً على ذلك قالت مديرة مختبر علم الأدوية النفسية والأبحاث العاطفية بقسم الطب النفسي بجامعة أكسفورد قالت الدكتورة كاثرين هارم -لم تُشارك في تلك الدراسة- إن هذا البحث مثير للاهتمام إذ يركز على أنواع سلوكيات المواجهة التي ارتبطت بتقليل الاكتئاب والقلق على مدار عام من جائحة كورونا.
أفكار مهمة
تكمن قوة الدراسة بحسب هارم في أنها جمعت ردوداً بشكل متكرر من نفس الأفراد، كل أسبوعين، لمدة عام، وهو ما يعطي قوة للنتائج.
اختصاراً، وكما تقول هارم، تشير النتائج إلى أن تناول الطعام الصحي وتجنب الأخبار المجهدة وشرب الماء والبقاء في الهواء الطلق والمشاركة في أنشطة الاسترخاء أظهر تأثيراً وقائياً على الصحة العقلية خلال هذه الفترة العصيبة “ومن المثير للاهتمام أن الاتصال الاجتماعي والهوايات كانت أقل أهمية مما كان يعتقد سابقاً”.
تقدم هذه الدراسة بعض الأفكار المهمة حول السلوكيات التي قد تحمي صحتنا العقلية في أوقات التوتر الشديد.
وتقول هارم إن هناك حاجة إلى العمل المستقبلي لاختبار ما إذا كانت هذه الارتباطات سببية، هل هذه السلوكيات هي التي تسبب تحسناً في الحالة المزاجية أم يمكن أن تكون العكس، لأننا نشعر بتحسن نبدأ في الانخراط بشكل أكثر إيجابية مع بيئتنا؟