نشرت في:
من الموضوعات الأكثر حضوراً هذه الأيام على وسائل التواصل الاجتماعي، تلك المتعلقة بالصحة النفسية والعقلية. ليس فقط في مناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي مرّ علينا منذ نحو عشرة أيام، بل عموماً أيضاً، وحتى من دون مناسبات.
باتت هذه القضية تثار وتناقش في لبنان والعالم العربي بلا تابوهات، بعدما كانت لزمن طويل محاطة بالعيب والتعتيم، وكان أصحابها يعيشون في خوف أو خجل من الكشف عن كفاحهم كي لا يوصموا بالـ”مجانين”، نظراً إلى الأحكام المسبقة الّتي كان الناس يطلقونها على مَن يعاني مشكلات على هذا الصعيد. لأجل ذلك فإن هذا التغيير الطارئ في العقلية، وهذه الأريحية المستجدّة في الحديث عن موضوع بهذه الحساسية والأهمية، يطمئنانني، لأنهما دلالة على نضجنا كشعوب، وعلى تقبلنا الهشاشة الموجودة في كل واحد منا بلا استثناء.
لا أزعم إن الوصمة اختفت: للأسف ما زلنا بعيدين كل البعد عن ذلك، وثمة قدر هائل من الجهل والاستخفاف والإنكار على هذا المستوى، لكننا في الاتجاه الصحيح. ما زلت أذكر منذ عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، كيف كنتُ، كلما تطرّقتُ الى الاكتئاب الذي أعاني منه في أحد كتبي أو مقابلاتي، أوصف بـ”الشُجاعة” و”الجريئة”. لكني شخصياً لم أكن أعتبر ذلك لا جرأة ولا شجاعة، بل محض رغبة في الفهم، ورغبة، خصوصاً، في الإفهام، نابعة من مكان، طويلاً شعرتُ فيه بوحدة قاتلة وبالكثير من الألم: أعني إفهام الغرباء ماهية عالم الاكتئاب هذا، وتحدياته، بغية تصحيح بعض المغالطات حوله.
أكثر المغالطات خطورة في مسألة الصحة النفسية؟ أن الناس غالباً ما يخلطون بين السلوك الخارجي والوضع النفسي، بينما هذان هما، غالباً، منفصلان تماماً. أنا، مثلاً، إيجابيّة الطبع، أتمتّع بحسّ فكاهة عالٍ جداً، أبتسم بتلقائيّة وأضحك وسع قلبي. أيضاً، أنا اجتماعيّة وودودة وديناميكيّة للغاية. لكني، في الآن نفسه، أعاني من الاكتئاب. أشخاصٌ كثرٌ مثلي يعانونه، لأنّ الاكتئاب ليس مرادفاً للحزن والتجهّم والكسل. هو أكثر خطورةً ومكراً. وقلائل يدركون هذا الأمر.
ختاماً، تحية لجميع الذين يحاربون شياطينهم الداخلية، علناً أو في العتمة، منتصرين تارةً ومهزومين أطواراً. كلماتي هذه اليوم، لأقول: لستم وحدكم.