فوضى التسعير
مهما بلغت تطمينات الجهات المعنية، لاسيما وزارة الاقتصاد، فإنها تبقى عديمة القيمة لفشل الجميع في ضبط أسعار السوق. فآلية التسعير بحالة فوضى تامة. لا آلية واضحة للتسعير ولا التزام من قبل التجار والمتاجر. وقد بات شائعاً وجود فوارق هائلة بأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية والثانوية، تصل غالباً إلى نسبة 40 و50 و60 في المئة، وأحياناً إلى 100 في المئة.
كما تدخل العديد من العوامل في آلية التسعير اليوم، ما يجعل من تتبّع عملية التسعير ومراقبتها من قبل الأجهزة الرقابية أمراً في غاية الصعوبة لا بل شبه مستحيل. خصوصاً أن تلك العوامل متغيّرة بشكل يومي.
ولأن سعر صرف الدولار وأسعار المحروقات، لاسيما البنزين، تدخل بشكل مباشر وأساسي في عملية التسعير وهي متغيّرة بشكل يومي، فإنها كفيلة بإحداث الفوضى الحاصلة بالأسواق. لا بل أكثر من ذلك، تلك العوامل كفيلة بمراكمة أرباح التجار على حساب المستهلكين وعلى مرأى من عيون الأجهزة الرقابية.
وإذا كانت الأجهزة الرقابية ووزارة الاقتصاد فشلت تماماً بالسيطرة على فوضى التسعير منذ بداية الأزمة وحتى اليوم.. فكيف بالمواطنين منحهم الثقة بضبط عملية التسعير بعد البدء بتطبيق الرسم الجمركي الجديد والمحتسب عند 15000 ليرة للدولار، خصوصاً بعد تزامنه مع رفع سعر الصرف الرسمي إلى 15000 ليرة للدولار.
واقع الأسعار اليوم
تتفاوت الأسعار بين المناطق وبين المحال في المنطقة الواحدة. كما تتفاوت أسعار المنتج نفسه من المصدر نفسه بين متجرين متاخمين في الشارع نفسه. وبجولة سريعة في الأسواق يثبت للمستهلك حجم الاختلاف بالتسعير. وهو ما يفضح جشع وخداع التجار. فنجد على سبيل المثال صنف كيلو القمح نفسه بـ29000 ليرة و54000 ليرة. كيلو العدس البلدي بـ65000 ليرة و50000 ليرة. أما الفول العريض فيتراوح سعر الكيلو منه بين 113000 و58000 و45000 ليرة للنوع نفسه في عدة متاجر. سعر كيلو الرز الأميركاني نفسه يتراوح بين 122000 و75000 و43000 ليرة. كما يتفاوت سعر كيلو السكر بين 32000 ليرة و40000 ليرة. والحال نفسه بأسعار المعكرونة والمعلّبات ومختلف المواد الاستهلاكية.
أما أسعار اللحوم فحدّث ولا حرج، إذ يختلف سعر كيلو الدجاج النيّء بين 70000 ليرة و120000 ليرة، في حين يبلغ سعر كيلو لحم البقر 320000 و550000 ألفاً في شارعين متقاربين في بيروت. حتى الخبز الذي يتم تحديد سعره الرسمي من قبل وزارة الإقتصاد يُباع وفق مزاجية التجار. فنجد ربطة الخبز الأبيض على سبيل المثال بـ20000 ليرة و25000 ليرة في عدة متاجر بالمنطقة نفسها. أما سعر ربطة الخبز الأسمر أو النخالة فربما يعتبره التجار من مواد الرفاهية. إذ يتفاوت فارق السعر بين متجر وآخر بشكل مبالغ فيه، ويتراوح سعر ربطة الخبز الأسمر بالحجم نفسه بين 30000 ليرة و50000 ليرة.
مستقبل التسعير
بعد رفع الدولار الجمركي إلى 15000 ليرة بدلاً من 1507 ليرات، عمدت الوزارات المختصة إلى وضع لائحة بالسلع المُستثناة من زيادة الأسعار بفعل الدولار الجمركي، فبدأت وزارات الصناعة والزراعة والاقتصاد والمالية بالتشاور ووضع جداول، وعقد اجتماعات لتحديد المواد الغذائية والأولية غير الخاضعة للدولار الجمركي الجديد، في مقابل وضع لوائح بالصّناعة المحليّة البديلة. بمعنى أن العدس المستورد على سبيل المثال سيخضع للدولار الجمركي الجديد، باعتبار ان هناك ما يكفي من انتاج العدس الوطني. الأمر نفسه سينطبق على الألبان والأجبان ورقائق البطاطا وشريحة واسعة من الحبوب.
لكن كيف يمكن ضبط أسعار الإنتاج المحلي غير الخاضع للدولار الجمركي الجديد، في وقت تعجز فيه الأجهزة الرقابية اليوم عن ضبط التفاوت الهائل بالأسعار بين المناطق والمتاجر؟
وإن كان المعنيون أكدوا أكثر من مرة على أن رفع الدولار الجمركي إلى 15000 ليرة سيؤدي حكماً إلى رفع أسعار السلع التي تدفع رسوماً جمركية فقط، بما يتراوح بين 20 و30 في المئة، فإن التجار على أرض الواقع باشروا فوراً إلى رفع الأسعار بنسبة تفوق 20 و30 في المئة وعلى كافة السلع. حتى أن أحد المتاجر الكبرى في بيروت يُنذر بعض موظفيه خلسة الزبائن بأن الأسعار المكتوبة على السلع تختلف عن تلك التي يتم تدوينها على الفاتورة عند صندوق المحاسبة، في محاولة منهم تجنيب المواطن عملية استغلال ترقى إلى مستوى السرقة.
هذا الواقع إنما يؤكد عجز السلطة الرقابية عن لجم فلتان الأسعار وضبط الأسواق، إن قبل تطبيق الدولار الجمركي أو بعد تطبيقه.