يعيش لبنان على انتظارات متوالية. انتظار لزيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان وترقب لما ستحمله جلسات التشاور والعمل التي ستُعقد.
انتظار لما يمكن أن يظهر من المفاوضات الإيرانية الأميركية والإتفاق الجزئي الذي حصل مؤخراً برعاية قطرية، وإذا ما كان قابلا للإنسحاب على ملفات في المنطقة.
انتظار ثالث، بمعطى داخلي، يتعلق بالحوار المفتوح بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، وسط معلومات عن اجتماع رابع سيعقد بين رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا في الأيام القليلة المقبلة، لتسليم إجابات الحزب.
وبحسب المعلومات فإن الحوار بين الجانبين يتقدم، ويبحث في عمق الملفات المطروحة، وليس بالضرورة أن يتضمن الجواب الوصول إلى اتفاق حاسم لكنه سيبقي الأبواب مفتوحة.
يُفترض أن تتحدد وقائع زيارة لودريان مع وصوله إلى لبنان ومناقشة ما ستطرحه كل الكتل النيابية التي ستشارك بورش العمل. وفي هذا السياق يجري العمل وسط قوى المعارضة على توحيد موقفها رئاسياً وسياسياً لا سيما بعد حادثة الكحالة.
عودة أميركية إلى لبنان؟
يتابع اللبنانيون بكثير من الانتباه التطورات الخارجية لاسيما حصول الإتفاق الإيراني الأميركي برعاية قطرية، على وقع “التصعيد” الذي تم تصويره في المنطقة بإرسال الأميركيين لجنود وبوارج بالإضافة إلى التصعيد المرتبط في سوريا والعراق. وكأن هذه الموجات من التصعيد كان هدفها تمرير الإتفاق. فيما تُطرح تساؤلات إذا ما كان ذلك قابلاً للإنسحاب على الملف اللبناني، وهل سيكون لبنان من ضمن الملفات المتأثرة بتطورات الوضع، أم أنه سيبقى متروكاً للفرنسيين بدون الوصول إلى حلّ؟ خصوصاً أن بعض المؤشرات والضغوط الأميركية على لبنان بالعقوبات أو التلويح بها، ربطاً بالعودة الميدانية إلى المنطقة تؤشر إلى عودة سياسية للأميركيين، يمكنها أن يكون لها انعكاسات على المدى الأبعد، ويمكن أن تمهد لانخراط أكبر.
تؤكد كل هذه الوقائع أن المنطقة تتحرك سياسياً، ويمكن لهذا التحرك أن يقود إلى بعض النتائج، من دون اغفال زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى المملكة العربية السعودية ولقاء المسؤولين هناك، في إطار مواكبة الإتفاق الإيراني السعودي.
حزب الله واستعراض القوة
على الضفة المقابلة لكل هذه التطورات، كانت الساحة اللبنانية تضج بأحداث أمنية متتالية تأخذ طابع الإنقسام السياسي. أبرز الأحداث كان الإشكال الذي وقع في الكحالة، واستدعى استنفاراً سياسياً ذات بعد طائفي، بينما تستمر المحاولات لإعادته إلى خانة الإنقسام السياسي بين الحزب وخصومه، في ظل محاولات الحزب لاستعادة التيار الوطني الحرّ. علماً أن الموقف الذي اتخذه التيار كان واضحاً في مد اليّد للحزب، عبر القول إن ضمانة المقاومة لا يوفرها شخص. يسعى الحزب إلى تعزيز وضعيته السياسية في مواجهة أي تحالف سياسي قد يتشكل ضده. كما أنه أقدم على سلسلة تحركات لإظهار مكامن قوته، من عرض فيديو لصواريخ كورنيت، إلى عرض عسكري للدبابات التي بحوزته في بعلبك، وصولاً إلى مشاهد الاحتفاء واستقبال اعضاء فريق حماية شاحنة الكحالة التي نظمت في المناطق وتخللها إطلاق للرصاص، تؤشر إلى اثبات حزب الله لقوته وإظهارها، على قاعدة أنه لا يمكن استضعافه من قبل أي طرف.
كل هذه الملفات سيكون لها تأثيراتها وتبعاتها في المرحلة المقبلة، وهو ما يتبين من كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي عمل على وضع النقاط على الحروف بالنسبة إلى الحزب، سواء بتحالفاته، وبعدم المساومة على فكرة المقاومة، واللجوء إلى التصعيد السياسي والكلامي عندما تقتضي الحاجة، كحالة الردّ على ما يعتبره الحزب بأنهم يريدون جرّ البلاد إلى الفتنة أو استدراج الحزب إلى معركة داخلية بعيداً عن توجهاته الأساسية في مواجهة العدو. أمام هذا المعيار، ينظر الحزب إلى موقف ميشال عون والتيار الوطني الحرّ بإيجابية، وهو لذلك سيكون حريصاً على استعادة العلاقة التحالفية.
خيار قائد الجيش
لكن الإتفاق مع التيار الوطني الحرّ وحده لا يكفي على الرغم من اهميته، طالما أن الإتفاق لا يزال ضمن الفريق الواحد، وهذا ما يطرح سؤالاً أساسياً إذا ما كان الحزب بحال تفاهمه مع باسيل سيذهب باتجاه فرض خيار فرنجية، بدون موافقة من الخصوم أو بدون توفر مقومات خارجية. أما إن لم يشأ الحزب ذلك، فهذا يعني اطالة أمد الأزمة على وقع الإنقسام العمودي. فالإتفاق مع باسيل يحتاج أن يكون على شخصية أخرى غير فرنجية مثلاً ومن خارج الفريق السياسي الموالي لهما، فمثلاً الذهاب للتفاهم على قائد الجيش يمكن أن يحمل مؤشرات جديدة، حول مد اليد للآخرين داخلياً وخارجياً. بمعنى أن يذهب الحزب وباسيل إلى خيار قائد الجيش طالما أنهما يصرّان على عدم الذهاب إلى التقاطع مع القوات والكتائب وقوى المعارضة.