- محتالون عاطفياً يسرقون أحلام الفتيات ويتصيدون مدخراتهنّ
- رجال يتوارون عن الأنظار بعد وعودهم الزائفة بالارتباط
- قصص متكررة يصعب إثبات الكثير منها لعدم وجود أدلة
- بعض النساء يشترين «الحب الوهمي» بقروض بنكية تحت إغراءات الزواج
تحقيق: محمد الماحي
قضايا لم نكن نألفها أو نعرفها، منها ما يعرف باسم قضايا «لصوص القلوب» التي تتخذ من الكلام المعسول والرومانسية الزائفة سلاحاً يحاول به بعض الرجال الضعاف النفوس، استغلال الفتيات والإيقاع بهنّ في فخ الاحتيال، سعياً إلى الثراء السريع والحصول على الأموال بأي وسيلة، عبر الوعود الزائفة بالزواج، ثم يختلقون المشكلات للهروب من تلك الوعود ومن ثم يختفون عن الأنظار، بعد أن يشتروا ضحاياهم «الحب الوهمي» بقروض بنكية ينفقونها على «زوج المستقبل».
ظواهر الاحتيال والنصب باسم الزواج، تفشت وانتشرت، وظهرت في ساحات المحاكم قضايا جديدة ترفعها فتيات على شباب محتالين أوهموهنّ بالحب، واستمروا في العلاقة بهنّ لسنوات، لكنهم غادروا واختفوا وأصبحت الفتيات بلا حب وبلا زواج، بعد أن احتال عليهنّ الشباب وأخذوا منهنّ الأموال والهدايا الثمينة، ومن ثم لم تجد هؤلاء «المخدوعات» ملجأ سوى القضاء، ويطالبن في دعاواهنّ بمعاقبة من أوهموهنّ بالزواج وغرضهم المال.
ومن بين أحدث هذه القضايا قضية فتاة عربية، رفعت دعوى أمام محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية، على شاب وعدها بالزواج، فسددت عنه 430 ألف درهم ديوناً بنكية، ثم تهرّب. وأشارت الشاكية إلى أن المشكو عليه كان قد وعدها بالزواج، وعندما تحدثت معه لإتمام الزواج، أخبرها بأنه لا يستطيع دخول الدولة لوجود تعميم عليه من أحد البنوك، بسبب مديونية. فعملت الشاكية تسوية مع البنك، وسددت 430 ألف درهم للبنك، وتعهدت بسداد مبلغ 110 آلاف درهم متبقية. ورفع المنع عن المشكو عليه، ولكنه عندما رجع إلى الإمارات تبين لها أنه غير جاد في الزواج، ولم يردّ المبلغ لها ما دفعها لإقامة دعواها، وأرفقت صور شيكات وصورة تسوية مديونية. وحكمت المحكمة بإلزام المشكو عليه، بأن يؤدي للشاكية مبلغ 430 ألف درهم، وألزمته بالرسوم والمصاريف.
بث الرعب
وفي قضية أخرى تعرفت الفتاة إلى شاب عبر «تويتر» وتطورت العلاقة بينهما، وطلب منها أن ترسل له صورها، فأرسلت الصور له بعد أن وعدها بالزواج. كما أرسلت له مبالغ بناءً على طلبه. وبعد مدة اكتشفت كذبه، الشاب، فقطعت علاقتها به، إلا أنه استغل الصور التي أرسلتها، وهدّدها بنشرها على مواقع التواصل، إذا امتنعت عن إرسال مزيد من الأموال له. وهو ما بثّ الرعب في نفسها، ودفعها إلى تحويل مبالغ أكثر من مرة، لخوفها من افتضاح أمرها أمام أسرتها، حيث وصلت المبالغ التي حوّلتها إلى 700 ألف درهم. لكنها بعد ذلك قدمت بلاغاً بحقه، ومن ثم فتح دعوى مدنية للحصول على تعويضات، طالبت فيها إلزامه بأن يؤدي لها 550 ألف درهم تعويضاً عن الضرر المادي والأدبي الذي تسبب فيها من جراء نصبه واحتياله عليها. وقضت محكمة أبوظبي المدنية بإلزام الشاب بأن يؤدي إلى الفتاة 750 ألف درهم، تعويضاً عن الضرر المادي والأدبي الذي تسبب فيه باحتياله عليها، وتهديدها بعرض صورها.
مساءلة قانونية
وفي حالة أخرى رصدتها «الخليج»، اقترضت موظفة عربية 300 ألف درهم، لمساعدة شخص ارتبطت به عاطفياً ووعدها بالزواج، بعد أن ادّعى تعثره ووقوعه في مشكلة مادية ربما تؤدي إلى سجنه، وبعد أن دفعت له النقود هجرها، فاضطرت إلى سداد القرض بالنيابة عنه، بعد أن كادت تتعرض لمساءلة قانونية حينما تأخرت في سداد الأقساط، أملاً بأن يتصرف بقدر من النخوة، ويردّ ما عليه.
وسجلت إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية حالة لامرأة ارتبطت بشخص عن طريق إحدى شبكات التواصل، فاستغل تأخرها في الزواج وأغراها بذلك، ثم استنزفها مادياً بمبررات مختلفة، إلى أن أدركت أنها ضحية عملية احتيال، فلجأت إلى الشرطة لمساعدتها في استرداد حقوقها. فيما تعدّ من الحالات الشهيرة التي سجلت، أخيراً، واقعة الموظفة الخليجية التي اختلست 20 مليون درهم، وأنفقتها على حبيبها، وحكم عليها بالسجن سبع سنوات، وغرامة 20 مليون درهم.
سلب النساء
«الخليج» التقت عدداً من المختصين في مختلف المجالات للتعرف أكثر إلى وسائل وخدع أولئك اللصوص للإيقاع بضحاياهم في أزمات نفسية ومادية.
ويقول المحامي والمستشار القانوني عبدالله الكعبي: تحول الزواج والوعد به طعماً يستعمله نصابون محترفون وهواة للإيقاع بضحاياهم، وسلب النساء منهم المال بحيل تنطلي عليهنّ، قبل أن يستفقن على كوابيس اجتماعية تؤرقهنّ طويلاً في انتظار رتق نفسيتهنّ المهزوزة المحتاجة إلى جرعات ثقة وأمل.
وأضاف أن هذه القضايا من الصعب تصنيفها «احتيالاً»، إلا إذا أخذ المتهم الأموال من الفتاة أو المرأة بقصد استثمارها لها في تجارة ما، كما يحدث في كثير من الحالات، وكان هناك إثبات على ذلك،. لافتاً إلى أن معظم المحتالين عاطفياً يحرصون على عدم ترك دليل وراءهم، لأنهم يخططون لذلك منذ البداية.
وتابع: هناك مؤشرات واضحة للاستغلال أو الاحتيال العاطفي، يجب أن تنتبه إليها الفتاة، منها ادعاء الفقر أو الحاجة، مشيراً إلى أن كثيراً من هؤلاء الشباب يظهرون أنهم في مستوى اجتماعي أو مادي أقل من الفتاة، فيبتزها عاطفياً حتى تحنو عليه وتحاول تقريب المسافات بينهما، فتغدق عليه الأموال وتشتري له سيارات، حتى لا يشعر بأنه أقل من غيره، مؤكداً أنه بأي حال من الأحوال فإن العلاقات قبل الزواج يجب أن تكون واضحة ومتكافئة.
المفهوم المجتمعي
ويتفق المحامي والمستشار القانوني عبيد الصقال، مع ما سبق ويضيف إليه: إن قضايا النصب باسم الحب أو وعود الزواج، من الظواهر السلبية التي أخذت في التزايد خلال الآونة الأخيرة في المحاكم. لافتاً إلى أن النساء يمثلن النسبة الأعلى من الضحايا نتيجة طبيعية لفقدانهن المشاعر العاطفية، مثل الحب والاحتواء، لتقع بذلك في فخ بعض الرجال «النصابين» باسم الزواج. وقال إن تلك الأفعال والقضايا تندرج تحت أعمال النصب والاحتيال،
إذا أعطته الفتاة نقوداً لهدف معين، وكان لديها إثبات على ذلك، مثل شيك أو تحويل بنكي أو رسائل تدل على ذلك. لافتاً إلى أن كثيراً من المحتالين يقنعون الفتيات اللاتي يرتبطون بهنّ، بالاستثمار معهم في البورصة أو التجارة الإلكترونية، ثم يستولون على نقودهنّ.
عدم الثقة
فيما أرجعت مريم القصير، استشارية نفسية، وخبيرة أسرية، ظهور حالات النصب على الفتيات باسم الحب، إلى عدم ثقة المرأة بنفسها في ظل الضغوطات المتكررة عليها للإسراع في الزواج مخافة أن يفوتها القطار وفقاً للمفهوم المجتمعي. لافتة إلى أن المرأة في هذه الحال قد تبدأ بالبحث عن أي رجل، للزواج بأي وسيلة ممكنة حتى إن «اشترته!».
ولفتت إلى خطورة هذا التفكير على المرأة لما ينتج عنه من فقدانها لثقتها بنفسها. مشددة على ضرورة أن تعي المرأة قيمتها الاجتماعية، وتدرك أن الرجل الذي يستحقها لا بدّ أن يكون أهلاً لممارسة دوره في القوامة والرجولة والإنفاق.
مشيرة إلى أنه في حال خرجت المرأة عن ذلك الإطار، فإنها تفقد أنوثتها، بينما يخسر الرجل صفة الرجولة. مؤكدة أنه على المرأة التي قلّت فرصها في الزواج أن ترفع استحقاقاتها، كون الرجل ينجذب إلى المرأة الواثقة بنفسها بالدرجة الأول، فضلاً عن عدم انجذابه إلى الأمور والعلاقات التي تأتي بسهولة دون عناء.