فتحت الأسواق الآسيوية تعاملات أول أيام الأسبوع على انخفاض، وكان أكبر هبوط في مؤشرات الأسهم الصينية نتيجة أزمة القطاع العقاري المتصاعدة، وهوى سهم واحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في الصين “كانتري غاردن” في تعاملات أمس الإثنين بعدما علقت الشركة التداول على نحو 10 من سندات الدين المحلية، وأدى ذلك إلى موجة بيع كثيفة لكل الأسهم المرتبطة بالقطاع العقاري الصيني.
تخلفت المجموعة العقارية عن سداد ما عليها من مستحقات تتعلق بسندات دولية الأسبوع الماضي، مما زاد من مخاوف الأسواق بأن أزمة السيولة في قطاع العقارات الصيني المستمرة منذ عامين على وشك أن تصل ذروتها.
وهبطت أسهم المجموعة العقارية في بورصة هونغ كونغ بنسبة 18.4 في المئة، وأدى ذلك إلى هبوط أسهم الشركات المماثلة، فتراجع سهم شركة “جينماو هولدنغ” العقارية بنسبة 9.8 في المئة، ومع انهيار الأسهم المرتبطة بقطاع العقارات، هبط مؤشر الشركات العقارية في الداخل الصيني لبورصة هونغ كونغ بنسبة 4.8 في المئة، وبذلك يكون ذلك المؤشر فقد 50 في المئة من قيمته خلال شهر الآن، بينما انخفض المؤشر العام لبورصة هونغ كونغ “هانغ سنغ” بنسبة 2.5 في المئة.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر وصفتها بالمطلعة على وضع المجموعة العقارية قولها إن “كانتري غاردن” عرضت على دائنيها تمديد أجل سداد سندات محلية مستحقة مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل وتقدر بنحو 3.9 مليار يوان (537 مليون دولار) لمدة ثلاث سنوات على سبعة أقساط.
أزمة سيولة
يعاني قطاع العقارات الصيني أزمات متتالية بدأت بإفلاس واحدة من أكبر المجموعات العقارية “إيفرغراند” في عام 2021 تحت وطأة مديونية هائلة تصل إلى 300 مليار دولار، وزاد من حدة تلك الأزمات على مدى العامين الماضيين انهيار المبيعات العقارية، بخاصة في ظل تراجع مشتريات الأجانب كذلك وتشديد القيود على الوصول إلى السيولة النقدية، بالتالي تراكم المديونيات الهائلة على المجموعات العقارية، مما جعل بعض الشركات تعلن إفلاسها كما فعلت “إيفرغراند” عندما تخلفت عن سداد مستحقات الدين والسندات.
لا تقتصر الأزمة على الشركات العقارية الخاصة، التي تعد “كانتر غاردمن” أكبر ما تبقى منها دون إفلاس في العامين الأخيرين، بل إن شركات التمويل والصناديق الخاصة المنكشفة أكثر على القطاع العقاري في بداية أزمة هي الأخرى، مما يهدد بانتشار عدوى الانهيارات في القطاع المالي، وربما في قطاعات أخرى، بخاصة أن القطاع العقاري يمثل ما بين 25 في المئة و30 في المئة من حجم الاقتصاد الصيني.
عزز من تلك المخاوف تخلف واحدة من أكبر شركات التمويل الخاصة في الصين “جونغرونغ إنترناشيونال ترست كو” التي تستثمر بكثافة في القطاع العقاري عن سداد بعض التزاماتها من الأوراق المالية في الموعد المحدد، ونتيجة تخلفها عن السداد، هبطت أسهمها أيضاً بقوة لدى فتح السوق هذا الأسبوع.
وتشكل شركات التمويل وصناديق الإقراض الخاصة في الصين قطاعاً يوصف بأنه “صيرفة الظل”، إذ تعمل تلك الشركات كوسيط يستخدم سيولة المخدرات لدى القطاع المصرفي الرسمي لتمويل الشركات والأعمال التي يصعب عليها الاقتراض مباشرة من البنوك أو الحصول على التمويل المصرفي بأشكال الائتمان المختلفة نتيجة القيود التنظيمية المشددة.
ويصل حجم قطاع شركات التمويل وصناديق الاقراض والاستثمار الخاصة في الصين إلى نحو ثلاثة تريليونات دولار، أي تقريباً ما يماثل حجم اقتصاد بريطانيا، بالتالي فإن انتقال عدوى الأزمة من القطاع العقاري إليه قد يؤدي إلى أزمة أوسع في الاقتصاد ككل، وربما للاقتصاد العالمي أيضاً في ظلة هشاشة وضعه، بخاصة أن الصين تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتتشابك مع معظم الاقتصادات الرئيسة حول العالم.
مسلسل أزمات
ازدادت حدة أزمة تراكم الديون في القطاع العقاري مع تشديد السلطات الصينية القيود على القطاع الخاص، من حيث فوائد الإقراض من القطاع المصرفي الرسمي، وكذلك قواعد سلامة رأس المال للشركات، وزاد من الضغط على شركات التطوير العقاري الخاصة هبوط الطلب المحلي والخارجي بشدة على العقارات، وبدأ ذلك مع شركة “إيفرغراند” قبل عامين، والتي منيت بخسائر منذ إعلانها الإفلاس عام 2021 حتى الآن بنحو 81 مليار دولار (تقريباً ثلاثة أضعاف حجم اقتصاد أيسلندا).
ليست مجموعة “إيفرغراند” الوحيدة التي أعلنت خسائر هائلة أخيراً، فقد أعلنت الشركة العقارية “شيمو غروب” الشهر الماضي عن خسائر وصلت إلى 6.8 مليار دولار على مدى عامين بعد إعلانها الإفلاس عام 2021.
أما شركة “كانتري غاردن” المعرضة لاحتمال الإفلاس الآن، فأعلنت نهاية الأسبوع الماضي أنها تتوقع خسائر بما بين 45 مليار يوان (6.2 مليار دولار) و55 مليار يوان (7.6 مليار دولار) للنصف الأول من هذا العام، وتراجعت مبيعات الشركة العقارية بنسبة 61 في المئة مقارنة مع النصف الأول من عام 2021 قبل أن يبدأ مسلسل أزمات القطاع العقاري الصيني. وبنهاية العام الماضي 2022 كانت المجموعة العقارية تعمل في أكثر من ثلاثة آلاف مشروع عقاري في الصين، وتوظف ما يصل إلى 70 ألف شخص.
التأثير في الاقتصاد
يرى المحللون المتابعون للسوق الصينية أنه ما لم تتدخل الحكومة الصينية لدعم السيولة في القطاع العقاري فإن تبعات تلك الانهيارات ستؤثر بشدة على فرص النمو. كانت الحكومة الصينية أعلنت عن عزمها دعم النشاط الاقتصادي بحزم دعم معقولة، بخاصة مع ضعف التعافي إثر فتح الاقتصاد عقب إغلاقات وباء كورونا نهاية العام الماضي، وكان المتوقع تحقيق انطلاقة اقتصادية قوية بعد أكثر من عامين من الإغلاق المشدد، لكن معدلات النمو لم تكن قوية كتوقعات السوق، وآخر تلك المؤشرات هي أرقام نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني للربع الثاني التي أعلنت قبل أيام وأظهرت نمو الاقتصاد بنسبة 6.3 في المئة، بينما كانت توقعات السوق للنمو في الربع الثاني بنسبة 7.1 في المئة. وتستهدف الحكومة الصينية نمواً لهذا العام كله في المتوسط بنسبة ما بين خمسة و5.5 في المئة، إلا أن التردد في التدخل بحزم تحفيز، ربما ليس للقطاع العقاري فقط، وإنما لقطاع التكنولوجيا والقطاع المالي وغيره، قد تجعل تحقيق نسبة النمو المستهدفة أكثر صعوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مذكرة للعملاء، أمس الإثنين، قدر بنك “جيه بي مورغان” الاستثماري الأميركي أن أزمة في قطاع شركات التمويل وصناديق الإقراض الخاصة في الصين يمكن أن تؤدي إلى تراجع في نمو الاقتصاد الصيني بشكل مباشر بنسبة ما بين 0.3 إلى 0.4 في المئة، وتوقع البنك احتمال أن يؤدي ذلك إلى دخول القطاع العقاري الصيني في “دائرة مفرغة” عبر سلسلة أزمات متتالية.
وفي مذكرة أخرى من بنك “نومورا” الاستثماري، قدر الباحثون أنه “إضافة إلى الأخطار المالية المباشرة واتساع نطاقها، فإن موجة إفلاسات بين شركات إدارة الثروات وأدوات الإقراض الخاص يمكن أن تسبب تداعيات تضر بالاقتصاد كله”.
حتى الآن، لا تبدو الأسواق متفائلة من احتمالات الدعم الحكومي لتحفيز الاقتصاد، بخاصة توفير السيولة للقطاع العقاري المأزوم. يقول مدير البحوث في شركة “كينغستون سيكيوريتيز” بهونغ كونغ ديكي وونغ إنه “قبل أسبوعين أكدت الحكومة أنها ستساعد القطاع العقاري، وهذا لم يحدث. وأتوقع أن تكون الـ30 يوماً القادمة حاسمة بالنسبة لشركة (كانتري غاردن)”. ويضيف، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “فايننشال تايمز”، أمس الإثنين، “ها نحن نرى أسعار السهم تنهار وكل ما تفعله (الحكومة الصينية وسلطات التنظيم المالي) هو وقف التداول على أمل استقرار السوق”.
وفي ظل ضعف النمو الاقتصادي العالمي ككل، وهشاشة الوضع الاقتصادي في كثير من الاقتصادات الرئيسة حول العالم وتوقعات الركود الاقتصادي التي ما زالت قائمة، يمكن لأي هزة في الاقتصاد الصيني أن يتردد صداها في أنحاء العالم. ويخشى أن يؤدي انهيار القطاع العقاري في الصين إلى “تأثير دومينو” يطاول القطاعات المماثلة في اقتصادات أخرى، بالتالي يقود إلى أزمة عالمية.