“إنجاز الاتفاقية (ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل)، سيتبعه ابتداءً من الأسبوع المقبل، بدء إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم على دفعات”. بهذه التغريدة، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، الخطوة الجديدة التى يسعى إلى تحقيقها بعد ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، الأسبوع الماضي.
تغريدة ترددت أصداؤها في أرجاء أروقة المؤسسات الدولية، وخصوصاً “منظمة العفو”، التي دعت السلطات في لبنان إلى وقف تنفيذ خطة إعادة اللاجئين بشكل غير طوعي إلى بلادهم.
رئيس الجمهورية اللبنانية، الذي يختتم ولايته في 31 أكتوبر الجاري، يبدو أنه يريد أن ينهي عهده بما يعتبره وفريقه السياسي “إنجازاً” في هذا الملف، إذ سارع إلى تحديد الأسبوع المقبل موعداً لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، في إعلان لم يذكر عدد هؤلاء، ما فتح الباب أمام تأويلات متفائلة بإغلاق الملف.
المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم قال لـ”الشرق” إن “عمليات عودة النازحين هي عمليات طوعية بشكل كامل”، وعن الآلية التي ستعتمد لاستئناف قوافل العودة، يقول إنها “ذاتها التي اعتمدناها منذ عام 2017 وأسفرت عن إعادة ما يقارب 485 ألف شخص”.
وشرح إبراهيم تفاصيل تلك الآلية، لافتاً إلى أنه “بعد أن نفتح باب التسجيل في مراكزنا للراغبين بالعودة، وعندما يصل عدد المسجلين بين 1500 و2000 نرسل الأسماء إلى سوريا، على أن يرسل الجانب السوري ملاحظاته على كل اسم، ويعيدونهم إلينا مع أي ملاحظات أمنية أو قضائية”.
وأشار إلى أنه “بعد عودة المراسلات نبلغ كل شخص بما ينتظره هناك، إن كان لديه أي مشكلة قانونية أو إذا كان سيتعرض للتوقيف أو الاستجواب، ونترك له الخيار بقرار العودة”. وزاد: “بعدها، نبلغهم بموعد انطلاق القوافل، و(مكان) التجمع، وننسق مع الجانب السوري لإرسال الحافلات، وقبل انطلاقهم ننسق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ليحضروا ويتأكدوا من أنهم يرحلون بكامل إرادتهم إلى بلادهم”.
طوعية أم قسرية؟
صفة العودة الطوعية، لا تخفف من المخاوف التي تبديها الأطراف وخصوصاً الدولية منها بشأن هذا الملف الشائك. علماً أن نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإنابة في منظمة العفو الدولية، ديانا سمعان، قالت في بيان إن “السلطات اللبنانية توسّع نطاق ما يُسمى بعملية العودة الطوعية (…) بينما ثبت جيداً أن اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في موقع يسمح لهم باتخاذ قرار حر” حول عودتهم، بسبب إجراءات تتخذها الحكومة السورية تقيّد “تنقلهم ومكان إقامتهم”، فضلاً عن تعرضهم “للتمييز وعدم تمكنهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية”.
وأشارت سمعان إلى أنه “من خلال تسهيلها بحماسة عمليات العودة هذه، تعرّض السلطات الللبنانية، عن قصد، اللاجئين السوريين لخطر المعاناة من انتهاكات شنيعة والاضطهاد عند عودتهم إلى سوريا”.
وإذ يؤكد اللاجئون السوريون رغبتهم في العودة يوماً إلى سوريا، إلا أنهم يربطون قرارهم بمجموعة من العوامل، أبرزها الحفاظ على سلامتهم وأمنهم، وتأمين السكن والوصول إلى الخدمات الأساسية.
ويستند المسؤولون اللبنانيون في دفع السوريين إلى العودة، إلى ضمانات من الجانب السوري، ترتكز على العفو الرئاسي الشامل عن مجموعة من الجرائم تشمل تلك التي ارتكبها سوريون فروا من بلادهم، والذي سبق أن صدر هذا العام، إضافة إلى ما أعلنته السلطات السورية حول تخفيف الإجراءات لمن فروا من الخدمة العسكرية الإلزامية.
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قالت في تصريح لـ”الشرق” إن “المفوضية لا تقوم بتسهيل العودة الطوعية واسعة النطاق للاجئين إلى سوريا من لبنان أو تشجيعها”. وأوضحت أنه “مع ذلك، يختار آلاف اللاجئين ممارسة حقهم في العودة كل عام، والمفوضية تدعم خيارهم وتحترم حقهم الأساسي في العودة بحرية وطوعية إلى بلدهم الأصلي في الوقت الذي يختارونه”، منبهة إلى أنها (المفوضية) “في حوار وتنسيق دائمين مع الحكومة اللبنانية، بما في ذلك حركات العودة التي تسيرها المديرية العامة للأمن العام”.
في المقابل، رأت مصادر ترفض الكشف عن هويتها، أن “مجرد تردد السلطات السورية في إعطاء أذونات مفتوحة للمؤسسات الدولية للكشف على مناطق العودة وزيارة العائدين، يفتح الباب للتساؤلات عن سلامتهم”.
واعتبرت هذه المصادر أن “السلطات السورية حتماً لا تريد عودة جماعية لمواطنيها، ولذلك تسعى إلى التضييق وكسب الوقت في الموافقة وإرسال البيانات المتعلقة بهؤلاء”. وأشارت إلى أن “الخوف يقع على اللاجئين المسجلين عند مفوضية اللاجئين، ولذلك يجب التنسيق مع المفوضية ومشاركة المعلومات بما يضمن سلامة اللاجئين من جهة وعدم استغلال الجهات المانحة من جهة أخرى”.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 831 ألفاً و53 لاجئاً سورياً، في ظل تعليق تسجيل المفوضية للاجئين السوريين في لبنان منذ مايو 2015 بقرار من الحكومة اللبنانية. وكانت المفوضية شطبت نحو 25 ألف لاجئ، في مرحلة مشاركة البيانات مع الدولة اللبنانية، بحسب المصادر ذاتها.
عبء أم ورقة سياسية؟
ويبدو أن النازح السوري تحول إلى ورقة يلعبها الفرقاء اللبنانيون بحسب حاجتهم، منهم مَن يرمي بفشله في إدارة الملفات الإنمائية عليه، فيتحول إلى السبب في نقص المياه، وانقطاع الكهرباء، وانعدام فرص العمل. ومنهم من يستخدمه في إطار معارضة السلطات في سوريا كوسيلة غير مباشرة لإدانة النظام السوري.
هكذا، دخل النازحون السوريون في الحسابات الديموغرافية اللبنانية من دون قصد، فجرى احتسابهم في الحسابات الطائفية الضيقة بين تكثيف عدد المسلمين بشكل عام والسُّنة بشكل خاص في لبنان.
الاستخدام السياسي للتصويب على النازحين السوريين، تُرجم في أكثر من مرة بأعمال عنف بين لبنانيين ونازحين، وخصوصاً في المناطق التي تستقبل مخيمات كبيرة. ومع تضييق الخناق الاقتصادي على اللبنانيين في ظل الأزمة الكبيرة التي يرزح تحتها اللبنانيون، بات البعض يعتبرون أن النازحين السوريين أكثر حظاً لجهة المساعدات الدولية التي يحصلون عليها، ووصلت الشائعات إلى حد الترويج بأن اللاجئ السوري يحصل على مساعدات بالدولار الأميركي في حين يعاني اللبناني.
إلا أن مراقبين يرون “أنه لم يتم الاستثمار أو الاستفادة من الخبرات الصناعية للنازحين السوريين”، ويسمون على سبيل المثال تجار وصناعيي حلب. ويؤكدون أن “هؤلاء ذهبوا واستثمروا في دول عربية أخرى كمصر، وحققوا نجاحات، بعد أن جرى استقبالهم”، مشيرين إلى أنه “كان بإمكان لبنان تنظيم العمالة السورية بوضع نحو 100 مراقب، ليتأكدوا من تنظيم قطاعات العمل بحيث يعمل السوري في أماكن لا يوجد فيها منافسة للبناني، إلا أن ذلك لم يحصل”.
السلطات اللبنانية أكدت أن النازح السوري يحصل على المساعدات بالليرة اللبنانية، ولا صحة لما يتم ترويجه عن مساعدات بالدولار الأميركي. وتؤكد مصادر مطلعة أن اللاجئ يحصل عن بدل إيجار من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مبلغ 900 ألف ليرة لبنانية لا غير (أقل من 25 دولار أميركي إلى حين كتابة هذه السطور حيث بلغ سعر صرف الدولار في السوق السوداء في لبنان 40 ألف ليرة)، وبرنامج الأغذية العالمية يقدم للفرد 500 ألف ليرة لبنانية (نحو 12 دولاراً)، على ألاّ تتعدى المساعدة الـ 3 ملايين ليرة نحو 75 دولاراً) للعائلة الواحدة. وتضيف المصادر أن “الخرق الوحيد الذي يحصل أن هناك بعض العائلات تحصل على مساعدات من أكثر من طرف، وهذا بسبب عدم مشاركة المعلومات بين المنظمات”.
مصير المساعدات
الكثير من المساعدات المخصصة للاجئين، وخصوصاً العينية منها تصل أيضاً إلى العائلات اللبنانية المضيفة. وفي السنوات الثلاث الماضية، زادت المنظمات التنموية والإنسانية من دعمها للشعب اللبناني والعائلات والمجتمعات والمؤسسات العامة، من أجل التخفيف من تأثير الأزمات المتعددة وتلبية الاحتياجات الماسة للفئات الأكثر فقراً.
وتستمر هذه الجهود في إحداث فرق في حياة العائلات اللبنانية الأكثر فقراً، حيث تلقى مئات الآلاف من اللبنانيين دعماً غذائياً عينياً ومساعدات نقدية وخدمات اجتماعية وحمائية ضرورية. ويأخذ أي دعم يتم تقديمه دائماً في الاعتبار المجتمعات التي تستضيف النازحين، لضمان دعم المجتمعات المضيفة أيضاً وتعزيز الخدمات العامة.
هل سيخسر لبنان المساعدات التي يستفيد منها في حال عودة اللاجئين إلى بلادهم؟ تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن “الأزمة الاقتصادية أثرت في لبنان بعمق على الجميع، من اللبنانيين واللاجئين”، مشيرة إلى أن المفوضية “زادت من دعمها للبنانيين، سواء على المستوى المجتمعي أو بمساعدة مباشرة، لمساعدة العائلات اللبنانية الأكثر فقراً”. وتضيف “ندعم المحتاجين بأنواع مختلفة من المساعدة، بما في ذلك مواد الإغاثة الأساسية أو الدعم الصحي أو الدعم النفسي الاجتماعي أو المال”.
“عدالة ومساواة”
يرى وزير الشؤون الاجتماعية في لبنان الدكتور هيكتور حجار أنه “يحق للسوريين الحصول على المساعدات ليتمكنوا من تمضية هذه الفترة العصيبة خارج بلدهم. إلا أن من حق اللبنانيين الذين استضافوا السوريين أن يستفيدوا من المساعدات ذاتها التي يستفيد منها السوريين”.
ويضيف: “طالبنا مفوضية اللاجئين بالعدالة والمساواة ومقاربة الأمور من هذه الناحية من ضمن شرعة حقوق الانسان، بأن ينال اللبناني المضيف والسوري النازح المساعدات، في إطار رؤية العودة، وألا تكون هناك استفادة من أجل الدمج، وإنما استفادة من أجل تأمين الحاجات الأولية للنازح للعودة إلى بلده الأم”.
أما اللواء إبراهيم، فيقول إن “بعض اللبنانيين مستفيدون من هذه المساعدات، وإنما المبالغ التي يتقاضاها اللبنانيون بدل استضافتهم، قد يتم تعويضها بفتح فرص العمل بعد عودة النازحين الذين يشكلون منافسة الى حد ما لليد العاملة اللبنانية، وفي حال عودة فرص العمل للبنانيين إلى ما قبل النزوح ولن يكون اللبناني بحاجة إلى هذه المساعدات”.
“عبء إضافي”
يرى حجار أن “القرار السياسي (بشأن عودة اللاجئين) تم اتخاذه، وأن الملف بإتجاه العودة الطوعية التصاعدية، وبعهدة اللواء إبراهيم ليتابعه مع الدولة السورية”. ويعتبر أن “لا قدرة للبنان على استضافة النازحين السوريين أو حتى اللاجئين السياسيين لوقت أطول”، مشيراً إلى أن “الظروف الاقتصادية السيئة التي يعانيها اللبنانيون تجعل من الضروري إعادة السوريين إلى بلادهم”.
ويدعو حجار المجتمع الدولي إلى تحمل المسؤولية مع لبنان، ويقول: “على الدول المانحة مساعدتنا من أجل توزيع اللاجئين السياسيين على الدول التي يمكنها استقبالهم”، مضيفاً: “نحن لا نستطيع تحمل أي حمل إضافي في ظل وضع شعبنا الحالي، ولا نستطيع الإبقاء على أي نوع من اللاجئين السياسيين أو غير السياسيين فعلى دول العالم المساعدة في هذا الملف”.
“عدد السوريون الموجودون في لبنان بلغ ما يقارب مليونين و80 ألفاً بمن فيهم النازحون”، بحسب ما يكشف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. ورداً على سؤال لـ”الشرق” بشأن تغريدة رئيس الجمهورية الذي حدد فيها موعد العودة الأسبوع المقبل، رفض إبراهيم تحديد موعد دقيق مشيراً إلى أن “الدفعة المقبلة ستضم 1600 نازح ننتظر الأجوبة بشأنهم من السلطات السورية للبتّ بموعد إعادتهم”.
وعمّا إذا كان سيتبع هذه العملية أي عملية ترحيل قريبة يأمل ابراهيم بأن يتبع هذه الدفعة دفعة أخرى، ويضيف شارحاً “إذا استطعنا أن نعيد 400 ألف اخرين خلال سنة أو سنة ونصف، يكون وضعنا جيد جداً”.
هل صحيح أن عملية إعادة النازحين تسير ببطء نسبياً؟ يجيب إبراهيم “هذه أزمة تعانيها دولة شقيقة، والموقع الجغرافي يحتم علينا أن نتحمل جيراننا، علماً أنهم استضافونا في أزمات سابقة (في إشارة إلى استضافة اللبنانيين في حرب يوليو 2006) ونحن لا ننكر الجميل في هذا الإطار وعلينا أن نتحمل بقدر الإمكان”.
“لحظة سياسية مناسبة”
هل يحاول لبنان ابتزاز المجتمع الدولي بهذه الخطوة؟ يقول إبراهيم: “لو أردنا ابتزازهم نعيد الناس غصباً عنها، ولكن العودة الطوعية لا تحمل أي ابتزازات، السوريون اليوم يشكلون نحو نصف عدد الشعب اللبناني المقيم”. ويتابع موضحاً: “نحن نعيش في ظل ضغط اقتصادي كبير وقلة موارد للشعب اللبناني، وهذا ما يشجعنا على إعادة السوريين إلى بلادهم، لو أن وضعنا جيد وننعم ببحبوحة ودورة اقتصادية سلمية، لما كنا بحاجة لحملات منظمة لإعادتهم، فقبل الحرب في سوريا كان لدينا بين 450 و500 ألف عامل سوري يتنقلون بين البلدين براحتهم”.
ويضيف متسائلاً: “مع انعدام البنى التحتية للبناني، وعجزنا عن مساعدة أنفسنا، كيف نستطيع مساعدة الاخرين؟”. ويخلص إبراهيم إلى القول: “برأيي في هذه اللحظة السياسية، بات المجتمع الدولي أقل معارضة لعودة النازحين إلى بلادهم، لقد باتوا وقوداً للهجرة غير الشرعية بالمراكب، ولم يعد في مصلحة أحد بقائهم في لبنان”.