أثار توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون، في نهاية الشهر الأخير من ولايته، مرسوماً يزيد من عدد العسكريين المخصصين لحماية المسؤولين السابقين، بلبلة سياسية بعد أن كشف عن الأعباء التي كانت تتحملها الخزينة، واستنزاف قدرات الأجهزة الأمنية في الوقت نفسه عبر قيام رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة ووزراء الداخلية السابقين بحجز المئات من العناصر الأمنية لحمايتهم الشخصية بعد خروجهم من المنصب. واتت التبريرات التي ساقتها مصادر رسمية، لتكشف أن هذه الزيادة تهدف في الواقع إلى تخفيض أعداد العسكريين المفصولين للحماية، ذلك أن جميع المسؤولين السابقين «تعسفوا في استعمال الحق»، وزادوا من عدد العناصر خلافاً للقانون.
المرسوم الجديد، الذي تحفظت المراجع الرسمية عن نشره بعد توقيعه ووضعه قيد التنفيذ، كي لا يحدث بلبلة لدى الرأي العام، أدى إلى زيادة حراسة رؤساء الجمهورية السابقين لضعفين، ورؤساء الحكومات السابقين ثلاثة أضعاف».
الالتباس الذي رافق المرسوم غير المعلل، واختيار توقيته قبل أيام من نهاية عهد عون، قلل من شأنهما مصدر حكومي، حيث أكد أن المرسوم «لا يحمل الدولة أعباءً جديدة ولا يضعف قدرة الأجهزة الأمنية على القيام بدورها». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن المرسوم «يخفف من عدد عناصر الحمايات التي كانت موزعة على الشخصيات، ويحمل كل مسؤول تكاليف رواتب العناصر الإضافية التي يريدها لحمايته». وقارن المصدر الحكومي بين المرسوم المعمول به سابقاً وبين المرسوم الجديد، وقال: «كل رئيس جمهورية وفور انتهاء ولايته، يفصل له الحرس الجمهوري 12 عنصراً، لكن بحسب العرف السائد كان يحصل على عشرات العناصر والرتباء، ثم أتى المرسوم الجديد ليضيف إلى حرس رئيس الجمهورية السابق 12 عنصراً من سرية حرس رئاسة الجمهورية التابعة لقوى الأمن الداخلي، ويسحب منه كل الأعداد الإضافية، بحيث يصبح لدى كل رئيس سابق 24 عنصراً، هذه الزيادة يستفيد منها ثلاثة رؤساء جمهورية سابقون هم أمين الجميل، إميل لحود وميشال سليمان ويلحق بهم ميشال عون اعتباراً من 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي».
ما يسري على رؤساء الجمهورية السابقين، ينسحب أيضاً على رؤساء الحكومات، فكل رئيس حكومة سابق يحق له وفق القانون ثمانية عناصر حماية تابعين لجهاز أمن الدولة، لكن أياً منهم لم يكن يلتزم بهذا الرقم، فكان يصطحب عشرات العناصر إلى حراسته ومرافقته فور مغادرته السراي الحكومي وتسليم المهمة لخلفه، فسعد الحريري مثلاً، لديه 130 عنصراً من قوى الأمن الداخلي، وفؤاد السنيورة حصل على نحو 70 عنصراً، أما تمام سلام وحسان دياب فكل منهما كان لديه 60 عنصراً. ويشدد المصدر الحكومي على أن «المرسوم الجديد قلص هذا العدد بشكل كبير، إذ تقرر تزويد كل رئيس حكومة سابق بـ24 عنصراً من عدد سرية حرس رئاسة الحكومة، وكل من يريد عناصر إضافية يتولى دفع رواتبهم الشهرية من حسابه الشخصي، ويسددها لصالح «صندوق الخدمات المأجورة» في قوى الأمن الداخلي، بحيث تصرف هذه الأموال على نفقات الطبابة والاستشفاء العائدة لعناصر الجهاز». وأوضح أن «رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص وحده الذي لم يتجاوز حراسه الثمانية عناصر، فهو لا يحتاج أكثر من ذلك بسبب تقدمه بالسن وملازمة منزله بشكل دائم»، لافتاً إلى أن «سعد الحريري فضل إبقاء عناصر الأمن الـ130 لديه، والتزم بدفع رواتب 104 منهم، وهو الرقم الذي يزيد على حقه المحدد بـ24 عنصراً، فيما آثر السنيورة وسلام الاكتفاء بالعدد المخصص لكل منهما وإعادة الباقين إلى جهازهم، أما حسان دياب فأبقى ستة عناصر إضافيين وتكفل بتسديد رواتبهم بمقدار راتبه التقاعدي، ليصبح العدد لديه 30 عنصراً».
وفيما كانت أعداد العناصر المفصولين لمرافقة وزراء الداخلية السابقين تتفاوت بين الثمانية للبعض منهم ونحو الـ30 عنصراً للبعض الآخر، حدد المرسوم الجديد حماية كل وزير داخلية سابق بثمانية عناصر تابعين لسرية الحراسة في وزارة الداخلية. ولفت المصدر إلى أن المرسوم الجديد «راعى بالدرجة الأولى الظروف الأمنية لهذه الشخصيات، إذ إن دراسة الواقع الأمني، فرضت رفع الحراسة لكل رئيس حكومة سابق من 8 عناصر إلى 24 ليتأمن وجود ثمانية عناصر عند كل دوام بحيث يرافقه 4 في تنقلاته، والأربعة الآخرون يتولون حراسة منزله». وأشار إلى أن «كل رئيس جمهورية أو رئيس حكومة سابق يريد أعداداً إضافية سيتولى دفع رواتبهم الشهرية، من خلال (صندوق الخدمات المأجورة) في قوى الأمن الداخلي»، مشدداً في الوقت نفسه على أن «التعديلات تشمل أيضاً رؤساء المجلس النيابي السابقين، وتؤخذ عناصر حمايتهم من سرية حرس المجلس النيابي، علماً بأن هناك رئيس مجلس نواب سابقاً وحيداً هو حسين الحسيني».
“خدمات” قوى الأمن للمطلوبين: “تنظيف” سجلات و”اختفاء” مذكرات توقيف
كشفت صحيفة “الأخبار”، أنّ فرع المعلومات، يواصل التحقيق مع عسكريين متورطين في تزوير أكثر من 200 محضر وهمي نُظّمت داخل مخفر النبي شيت في البقاع لمطلوبين مقابل مبالغ ماليّة. وبفعل هذه المحاضر، تم تنظيف سجلات عدلية كانت تتضمّن بلاغات ومذكرات توقيف غيابية، بعضها صادر عن «الإنتربول»
الدولة في خدمة المطلوبين، ولكن ليس أي مطلوب، بل وفق «معايير» أهمها أن تكون جيوبهم «مليانة». لا يحتاج المطلوبون من أصحاب الثروات إلى دخول المخافر والسجون التي تُعاني الأمرّين جراء الأزمة الاقتصاديّة، ولا حتى إلى تنفيذ الأحكام القضائيّة الصادرة في حقهم. بجرّة قلم يمكنهم «تنظيف» سجلاتهم العدليّة من بلاغات البحث والتحري الصادرة في حقهم ومن مذكرات التوقيف الغيابية، وحتى من مذكرات صادرة عن الإنتربول.
هذا ما حصل حرفياً في البقاع حيث مرّت عمليّات التزوير هذه بسلاسة وانطلت على المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي، ولم يتم اكتشافها إلا صدفة. فقبل أسابيع، رصد فرع المعلومات أحد المطلوبين من آل المقداد وبدأ عمليّة أمنيّة دقيقة لمراقبة تحرّكاته والقبض عليه في «عمليّة نظيفة». لكن حصل ما لم يكن في الحُسبان. فخلال مراجعة النشرة القضائيّة الصادرة في حقه تبيّن أنّها خالية من أي بلاغات أو مذكّرات توقيف، علماً أن الرجل مطلوب في عدد من الدعاوى وفي حقه مذكرة توقيف من «الإنتربول».
راودت الشكوك ضباط «المعلومات» الذين أجروا تدقيقاً في كيفيّة «اختفاء» البلاغات والمذكّرات من سجل المقداد. الخيط الذي تبعه هؤلاء هو أنّ جميعها نُفّذت في مخفر النبي شيت بموجب محاضر مختلفة، فبدأ الأمنيّون رحلة التوسّع في التحقيقات لاكتشاف ما يجري داخل المخفر.
وبالفعل، تبيّن أن عمليّة تنظيف السجّلات العدليّة واحدة من «الخدمات» التي يقدّمها العسكريون في المخفر، إذ تم اكتشاف تنظيم أكثر من 200 محضر وهمي داخل المخفر لمطلوبين لم يأتوا ولم يتم تنفيذ المذكرات القضائية الصادرة في حقهم. علماً أن القانون يقضي بأن يقوم رتيب التحقيق، بعد استجواب الموقوف، بمخابرة القضاء ثم إعداد 3 نسخ يتم إرسال إحداها إلى النيابة العامة الاستئنافية (بحسب نطاق المخفر) وثانية إلى رئيس مكتب المستندات والمحفوظات العامّة في المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي، ويتم حفظ النسخة الثالثة داخل المخفر. وفي حال كانت الدّعوى متعلّقة بجرمٍ يُحال إلى المحكمة العسكريّة، يتم إرسال نسخة رابعة إلى النيابة العامّة العسكريّة مع المضبوطات.
إلا أن العسكريين الذين قاموا بهذه العمليّات حرّروا المحاضر بشكلٍ وهمي وادّعوا أنهم خابروا القاضي المُناوب في حينه، من دون يفعلوا ذلك. كما وجد ضباط «المعلومات» أن لا وجود لمحاضر رسميّة للمطلوبين، وأن العسكريين كانوا «فاتحين على حسابهم» بـ«تنظيف سجلات» المطلوبين وإرسال البرقيات إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وأعطوا أرقام محاضر مزوّرة وغير منظّمة أصلاً.
وأوقفت «المعلومات» المتورطين بعد إحالة الملف إلى المحامي العام التمييزي القاضي غسّان الخوري، وهم 3 موقوفين: رئيس المخفر السابق (مُحال إلى التقاعد) من آل ض. ورتيبَا تحقيق أحدهما من آل ق. وآخر من آل ح، فيما تردّد أن «المعلومات» استمعت إلى إفادة أحد الضباط من دون أن يتم تأكيد توقيفه. ولا تزال التحقيقات مستمرة مع مزيد من العسكريين المشتبه في تورطهم في العملية.