في خطوة ربما تقرب من ولادة اتفاق نووي جديد مع طهران، اقترح الاتحاد الأوروبي تقليل الضغط على الحرس الثوري الإيراني عبر السماح لمواطنين غير الأميركيين بالتعامل مع الشركات التي لديها معاملات تجارية مع الحرس.
ووفقا لصحيفة “بولتيكو” فإن مسودة المقترح الذي اطلعت عليه، تضمنت أيضا تخفيض عمليات التدقيق في المواقع النووية الإيرانية المشتبه بها، مضيفة أن مضامين المسودة تشير إلى أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، مستعدة لتقديم تنازلات أكبر مما كان متوقعا لتأمين الصفقة.
ومع ذلك تنقل الصحيفة عن المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، روبرت مالي، القول تعليقا على ما ورد من معلومات إن الولايات المتحدة لن تغير معاييرها أو قواعدها عندما يتعلق الأمر بفرض العقوبات على طهران.
وقال مالي للصحيفة مغردا أيضا بتصريح مشابه: “لنكن واضحين: لم ننخرط في أي مفاوضات حول تغيير معايير الامتثال للعقوبات الأميركية التي ستظل خاضعة للعودة المتبادلة إلى التنفيذ الكامل للاتفاق النووي”.
بالمقابل قال دبلوماسي إيراني في تصريحات لوكالة إرنا الرسمية إن بلاده “تراجع” المقترحات الواردة في “النص النهائي” الذي طرحه الاتحاد الأوروبي في مباحثات إحياء الاتفاق النووي لـ”ضمان تلبية مطالبها”.
وأضاف أن “مقترحات أوروبا يمكن قبولها فيما إذا وفرت لإيران الطمأنينة في مختلف القضايا، بما في ذلك الادعاءات السياسية المتعلقة بقضايا الضمانات ورفع جميع أنواع الحظر وضمان عدم خرق الاتفاق”.
وفي هذا الإطار يرى الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية، سامح راشد، أن “المفاوضات النووية الجارية ليست محكومة باعتبارات تقنية (نووية) فقط.. فالجوانب السياسية والاقتصادية متداخلة معها بشكل جذري”.
ويضيف راشد لموقع “الحرة” أن “حسابات الطرفين تتأثر بالأوضاع السياسية الداخلية والخارجية، مثلا كل من إدارة بايدن وطهران من صالحهما التوصل إلى اتفاق قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس”.
ويعتقد راشد أن “إيران بصفة خاصة، تمارس لعبة الصبر (عض الأصابع) لتعظيم مكاسبها التفاوضية إلى أقصى حد، حيث تراهن على رغبة إدارة بايدن في إنجاز الاتفاق مستغلة في ذلك امتلاكها أوراقا قوية، خصوصاً أنها قطعت بالفعل أشواطاً مهمة في برنامجها النووي.. ومرور الوقت يعني اقترابها أكثر وأكثر من امتلاك سلاح نووي”.
بالتالي يتوقع راشد أن “احتمالات التوصل إلى اتفاق قوية، خصوصا إذا قبلت واشنطن تقديم مزيد من التنازلات لطهران التي تدير المفاوضات بتأنٍّ وثقة”، مضيفا أن طهران “تبدي موافقة مبدئية ثم تحاول انتزاع مطالب إضافية”.
واستؤنفت الأسبوع الماضي في فيينا المباحثات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، بعد تعليقها لأشهر في ظل تباينات بين الطرفين الأساسيين طهران وواشنطن.
وأتاح الاتفاق المبرم بين إيران وست قوى كبرى عام 2015، رفع عقوبات عن طهران في مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
إلا أن الولايات المتحدة انسحبت أحاديا منه في 2018 خلال عهد رئيسها السابق، دونالد ترامب، معيدة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران التي ردت بالتراجع تدريجا عن غالبية التزاماتها بموجبه. وتصر طهران على أن برنامجها معد لأغراض سلمية.
وبدأت إيران والقوى المنضوية في الاتفاق مباحثات لإحيائه في أبريل 2021 في فيينا، بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة وبتسهيل من الاتحاد الأوروبي.
وأجرت واشنطن وطهران في أواخر يونيو، مباحثات غير مباشرة في الدوحة بتسهيل من الاتحاد الأوروبي، انتهت دون تحقيق اختراق.
ومع ذلك يرى المحلل في شؤون الأمن القومي بمؤسسة هيرتاج للأبحاث، جيمس كارفانو، أن أي اتفاق مع إيران لن يصمد طويلا بسبب عدم جدية طهران في الالتزام.
وقال كارفانو في تغريدة على تويتر: “حتى لو تم توقيع اتفاق نووي غدا، فإن الفترة المتوقعة لصموده لن تتجاوز العام الواحد”، مضيفا أن “الإيرانيين ليسوا أغبياء وهم يعرفون ذلك”.
بالتالي يشير الباحث إلى أن أي صفقة “لن تكبح السلوك الإيراني الخبيث” في المنطقة والعالم، “لكنها بالتأكيد ستعود بالفائدة على طهران”.
Even if Biden signs an Iran Deal tomorrow it has a half life of about a year. Irans are not stupid, they know that. Which absolutely guarantees w/o a doubt a deal will have less than zero chance of curbing Iranian malicious behavior-but it will be a temporary cash cow for Tehran.
— James Jay Carafano (@JJCarafano) August 12, 2022
وتراجعت إيران عن مطلبين رئيسين في مفاوضات العودة لإحياء الاتفاق النووي وطلبت شرطا جديدا للتوقيع على الصفقة، حسبما أفادت به صحيفة “نيويورك تايمز”، الثلاثاء، نقلا عن أشخاص مطلعين على المحادثات.
وتنازلت إيران عن مطلب شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأميركية بالإضافة إلى التخلي عن مطالباتها بالضمانات بأن الرئيس الأميركي المستقبلي لن ينسحب من الصفقة كما فعل ترامب سابقا.
في المقابل، طالبت إيران بشرط جديد يتمثل في تخلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، عن تحقيق مدته ثلاث سنوات في اليورانيوم المخصب في منشآت إيرانية مختلفة، بما في ذلك بعض المواقع التي ترفض طهران السماح لمفتشي الوكالة الأممية بزيارتها، وفقا لنيويورك تايمز.
ويرى راشد أن “العالم يبحث عن منع الانتشار النووي، ورغم أن الاتفاق السابق لم يقدم حلا جذريا لمشكلة النووي الإيراني، إلا أن انسحاب واشنطن منه سمح لإيران باستئناف أنشطتها النووية والاقتراب فعليا من حيازة قدرات غير سلمية”.
ويضيف راشد أن “عدم التوصل إلى اتفاق جديد يعني وصول طهران لوضع الدولة النووية في فترة قصيرة، إلا إذا تعرضت لضربة عسكرية متعددة الأهداف ومحددة بدقة وهو أمر مستبعد”.
بالتالي يخلص راشد إلى أن “اتفاقا جيدا وقويا، خصوصا من النواحي التقنية، ربما يكون الوسيلة الأكثر عملية وواقعية للتعامل مع أنشطة إيران النووية، في المدى المتوسط”.
ومع ذلك يشير المحلل إلى أن “التزام إيران بالاتفاق النووي ممكن وقابل للتحقق بواسطة إجراءات التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن المشكلة في أنشطة وقدرات إيران غير النووية، وتحديدا في مجال الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة”.
وإضافة لذلك يعتقد راشد أن هناك مشكلة أيضا تتعلق “بتحركات طهران السياسية وتدخلاتها المستمرة في دول المنطقة”، مبينا أن “هذه المسائل لن يوقفها الاتفاق النووي ولا أي اتفاق”.
ويختتم راشد بالقول إن “معادلة القوة وحسابات المكسب والخسارة وفقا لقدرات الأطراف الأخرى على مواجهتها والضغط عليها هي التي ستجبر إيران أو ستسمح لها بالاستمرار، بل وربما التمادي في تحركاتها الإقليمية المثيرة للاضطراب وعدم الاستقرار”.