- إسلام سعد
- بي بي سي نيوز عربي – القاهرة
تشهد الطرق السريعة في مصر من آن لآخر حوادث مروعة، تسفر عن سقوط ضحايا كثر، وتتعدد أسباب هذه الحوادث التي تتكرر بشكل شبه يومي، ما يستلزم خطوات جادة للحد من هذه الحوادث المروعة التي تودي بحياة الآلاف سنويا.
في السابع من الشهر الجاري، وقعت حادث مروع في مدينة سمالوط في محافظة المنيا، جنوبي مصر، أدت إلى مقتل ثمانية أشخاص، وإصابة 13 آخرين، إثر اصطدام سيارة نقل تقل عمالا، وسيارة نقل أخرى.
وقبلها بأيام قليلة، شهد طريق الصعيد الصحراوي الغربي بالقرب من محافظة سوهاج، حادثا مروعا أيضا، أودى بحياة 17 قتيلا، وأدى إلى إصابة خمسة آخرين. ونجم هذا الحادث عن تصادم حافلة نقل ركاب صغيرة (ميكروباص)، بسيارة نقل أثناء محاولة الأخيرة تفادي السيارة التي أمامها.
وتشير الإحصاءات الرسمية المصرية الخاصة بالوفيات الناجمة عن حوادث السيارات على الطرق إلى أن عام 2021 شهد 7101 حالة وفاة بارتفاع 15.2 في المئة مقارنة بعام 2020 الذي شهد 6164 حالة وفاة، بينما لقي 6722 شخصا حتفهم في حوادث الطرق في عام 2019، وفيما يتعلق بالإصابات فإن عام 2021 شهد 51511 إصابة بنسبة انخفاض 9.3 في المئة عن العام الذي سبقه والذي سجل 56789 إصابة.
أسباب متعددة
وتتعدد أسباب وقوع الحوادث على الطرق السريعة في مصر، ومنها حالة الطرق، وعدم التزام بعض السائقين بالسرعات المقررة، والقيادة تحت تأثير المواد المخدرة، وحالة الطقس، وغياب القوانين الرادعة لبعض المخالفات الخطيرة أثناء القيادة، وغيرها.
وفي كثير من الحوادث، تتجه أصابع الاتهام إلى قائدي سيارات النقل، وسيارات الأجرة (أو الميكروباص كما يطلق عليها في مصر).
يقول أحد سائقي الميكروباص في القاهرة لبي بي سي، ويدعى صابر: “هناك بعض السائقين يسعون للقيام بأكبر عدد من الرحلات من أجل الحصول على عائد أكبر للوفاء بأعباء والتزامات الأسرة، وهم مضطرون لذلك حقا، وبالتالي يقود بعضهم السيارة بسرعة كبيرة”.
وبسؤاله عن تعاطي بعض سائقي الميكروباص والنقل للمخدرات أثناء القيادة، قال صابر: “هذا شيء موجود بالفعل، لكن يختلف الأمر من شخص لآخر. هناك من يتعاطى المواد المخدرة ليتمكن من مواصلة العمل لساعات طويلة، وهناك من لا يتعاطى هذه المواد بالمرة، وأنا والحمد لله أدخن السجائر فقط”.
وشهد الشهر الماضي، من بين عدة حوادث، حادثا مفجعا أيضا إثر اصطدام حافلة ركاب بسيارة نقل بالطريق الصحراوي بمركز ملوي التابع لمحافظة المنيا، جنوبي مصر، وأسفر عن وفاة 23 شخصا وإصابة 33 آخرين.
وكان من بين الضحايا شادي إيميل، البالغ 28 عاما، والذي تزوج قبل شهرين من وقوع الحادثة.
يقول شقيقه بيشوي لبي بي سي: “وقعت الحادثة عند الساعة 4.30 صباحا قرب ملوي في المنيا، وحين فتحت الفيسبوك في الثامنة صباحا رأيت صورة حافلة مدمرة، ولم يدر في خلدي أن أخي من بينهم، وترحمت على الضحايا”.
وتابع بيشوي: “علمنا أن السائق قد عاد من رحلة من القاهرة، وطُلب منه القيام برحلة أخرى، وقد ذكرت إحدى المصابات لنا أن السائق غفا أكثر من مرة أثناء الرحلة الليلية قبل وقوع الحادث”.
وتقوم شرطة المرور في مصر بمراجعة تراخيص سائقي الشاحنات، وتجري لهم اختبارات لمعرفة متعاطي المخدرات منهم.
ويقول ضياء الدين داوود، النائب في مجلس النواب المصري لبي بي سي، إنه لا يعرف سبب التغاضي عن زيادة حمولة سيارات النقل، وهي أحد مسببات الحوادث على سبيل المثال، مضيفا “وكما أن الطرق الرديئة تؤدي لحوادث، فإن الطرق السريعة بدون رقابة تتسبب في حوادث أكثر”.
وكان أكثر من نائب في البرلمان المصري تقدم بطلبات إحاطة، ومن بينهم النائب ضياء الدين داوود، بشأن وقوع حوادث ومشاكل فنية في محور 30 يونيو الرابط بين بورسعيد والقاهرة بطول 210 كيلو متر، وبتكلفة 8 مليار جنيه مصري، والذي افتتحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019.
حلول مقترحة
يقول دكتور هشام عرفات، وزير النقل السابق، لبي بي سي عربي، إن الخطأ البشري مسؤول عن 88-90 في المئة من حوادث الطرق في مصر.
وأضاف عرفات: “إن نسبة الحوادث انخفضت بصورة كبيرة بعد البدء في المشروع القومي للطرق، فالحوادث تحسب نسبة إلى عدد السكان وعدد المركبات وإلى شبكة الطرق… والحكومة تعمل على فصل الطرق التي تتكون من حارتين”.
ولفت دكتور عرفات، وهو أيضا نائب رئيس مجلس الأمناء بجامعة المستقبل في مصر، إلى خطورة “عدم تغيير إطارات السيارات المتهالكة” لأنها تنفجر على الطرق ومن ثم تقع الحوادث.
ووفقا لمنتدي الاقتصاد العالمي، ارتفع مؤشر جودة الطرق في مصر إلى المركز 28 في عام 2019 بعدما كانت في المركز 118 عام 2014، وذلك نتيجة الاهتمام بتطوير الطرق في أغلب أنحاء الدولة، بعد بدء “المشروع القومي للطرق” في عام 2014. وتهدف الحكومة المصرية من ذلك إلى تطوير شبكة الطرق والبنى التحتية “لخدمة المواطنين والمستثمرين”.
ويطالب النائب البرلماني ضياء الدين داوود بإدارة احترافية للطرق الحديثة مع زيادة القوة الشرطية الموزعة على هذه الطرق، بالإضافة لتغليط العقوبات على المخالفين.
ويرى دكتور أحمد شلباية أن المطلوب هو إنفاذ القانون بعدل وذكاء واستدامة، كما طالب بتدخلات هندسية – تتعلق بالبنية التحتية – وبالتوعية.
وقال شلباية إن ذلك لن يتحقق من دون شرطين “أولا: توفر إرادة سياسية على أعلى المستويات وإعطاء القضية أولوية قومية، وثانيا: أن تتحمل جهة ما ذات سلطات مسؤولية ومسائل سلامة الطرق”.
وطالب دكتور عرفات بتفعيل دور منظمات المجتمع المدني فيما يتعلق بالتوعية الخاصة بالقيادة وعبور المشاة للطرق. وأكد وزير النقل السابق أن الحكومة المصرية وبعد ما قدمته من جهود لتطوير الطرق في السنوات الأخيرة فإنه لم يتبق سوى تفعيل المراقبة والإشراف بواسطة الأنظمة الالكترونية الحالية.
وأضاف أن “أكبر دليل علي أهمية المراقبة وتطوير الطرق هو طريق الساحل الشمالي، فبعد تجربة شهرين اتضح انخفاض نسب الحوادث والوفيات بل والإصابات بمقدار 92 في المئة، مقارنة بالسنوات الماضية – من واقع بيانات وزارة الصحة والمرور بالمنطقة- ولنفس فترة الصيف”.
وبدأت الحكومة المصرية العام الماضي في تطبيق نظام “النقل الذكي” على الطرق السريعة على مراحل، والذي من المقرر أن ينتهي في يونيو/حزيران 2024، وهذه الطرق ستكون مراقبة بشبكة كاميرات ترصد الحالة المرورية على مدار اليوم، والهدف من ذلك، بحسب تصريحات مسؤولين في وزارة النقل لوسائل إعلام محلية، هو:
- رصد المركبات التي تزيد سرعتها عن الحد المسموح به
- اكتشاف أماكن الحوادث وتفاديها
- الكشف عن حالة الطقس لمعرفة مدى جاهزية الطريق للاستخدام
- إمكانية إجراء مكالمات الطوارىء في حالة وقوع حادث
- التعرف على لوحات المركبات المرخصة وغير المرخصة
وتقول منظمة الصحة العالمية في تقرير لها إن نحو 1.3 مليون شخص يلقون حتفهم سنويا نتيجة حوادث المرور، وإن نصف هؤلاء من المشاة ومستخدمي الدراجات الهوائية والنارية.
كما ذكر التقرير أن الإصابات الناجمة عن حوادث المرور هي السبب الأول لوفاة الأشخاص البالغين من العمر 15 إلى 29 عاما.
وتشهد البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل 90 في المئة من الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في العالم، على الرغم من أنها لا تحظى إلا بنحو 45 في المئة من المركبات الموجودة في العالم. وتكلف حوادث المرور في معظم البلدان نحو ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.