التخطي إلى المحتوى

تسعى مصر لجمع ما يصل إلى ستة مليارات دولار، قبل شهر يونيو من العام المقبل، عبر بيع حصص في شركات مملوكة للدولة، مما يثير التساؤلات بشأن جدوى عمليات بيع أصول الدولة لإنعاش الاقتصاد، في ظل انتقادات للحكومة لبيعها شركات ناجحة بالفعل، وعدم السعي لإيجاد استثمارات مباشرة أو إنتاجية. 

وكشفت وزيرة التخطيط المصرية، رئيسة الصندوق السيادي المصري، هالة السعيد، في مقابلة الأحد، مع وكالة بلومبيرغ، أنه سيتم إعلان الشريحة الأولى من الطروحات بقيمة تتراوح ما بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار خلال أربعة أسابيع، ثم ستكون هناك شريحة ثانية بنفس القيمة تقريبا. 

وكان وزير المالية، محمد معيط، قال في تصريحات سابقة الشهر الجاري، أن بلاده تستهدف طرح حصص من 10 شركات حكومية في بورصة مصر قبل نهاية يونيو المقبل.

ويقول المحلل الاقتصادي، رئيس تحرير صحيفة الأهرام سابقا، أحمد السيد النجار، إن وزير المالية ذكر أن الدولة ستتخارج من 79 مجالا استثماريا، وأن ذلك سيحقق 40 مليار دولار خلال أربع سنوات، وهذا يعني أن الخصخصة السنوية في حدود عشرة مليارات دولار سنويا. 

“زبدة الشركات المصرية”

يعرب النجار، عن خشيته من أن الدولة تتجه لبيع كميات ضخمة من الأصول العامة المملوكة للشعب خاصة الناجحة منها، بدليل أنها باعت بالفعل حصصا في أفضل الشركات المصرية العام المالي الماضي، لعدد من الدول الخليجية. 

وتستهدف مصر إطلاق برنامج للطروحات لجمع 40 مليار دولار على مدار 5 سنوات، بحسب الوزيرة المصرية، التي أكدت أن ذلك يأتي في سياق التزام الدولة بتنظيم ملكيتها في عدد من القطاعات بما يتيح فرصة أكبر للقطاع الخاص في بعض المشروعات.

ويصف النجار، الشركات المباعة بأنها “زبدة” الاقتصاد المصري، مثل شركات أبو قير والإسكندرية لتداول الحاويات، وشركة فوري، مشيرا إلى أن معامل الاسترداد أو الربحية من هذه الشركات قد تغطي مصاريف الصفقة في خلال 5 سنوات، في حين أنه في المتوسط يكون من عشرة إلى 15 عاما، وفي أوقات الأزمات يزيد الأمر عن 20 عاما”. 

لكن الخبير الاقتصادي المصري، طارق إسماعيل، يرى في حديثه مع موقع “الحرة”، أنه “من الطبيعي أن تبيع الحكومة شركات ناجحة، وإلا فلماذا سيأتي المستثمر لنا، لابد أن تكون في قطاعات ناجحة تشجعه على ضخ أموال فيها، وتحقق له عائدا مُرضيا، مثلما حصل في بيع “مصر للألومنيوم” الذي دخل فيه صندوق الاستثمار السعودي”.

وخلال الشهور الأخيرة، ضخ ّصندوق أبوظبي السيادي، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي، حوالي 3 مليارات دولار، للاستحواذ على حصص حكومية في شركات بارزة، بموجب صفقات سهّلها الصندوق السيادي المصري.

ويقول إسماعيل: “هذا يحدث في كل دول العالم، الدولة تتخارج تدريجيا من الاقتصاد حتى تعطي فرصة للقطاع الخاص أن يدخل ويستثمر، فضلا عن أن هناك شركات تم طرحها في البورصة، وهذا يعني أنه ليس من الضروري أن يكون المشتري أجنبي، وإذا أراد المصريون شراء أسهم يمكنهم فعل ذلك في هذه الشركات”. 

لكنه يؤكد أن الهدف من بيعها مباشرة للأجانب هو ضمان تدفقات دولارية، “هذا هو الصحيح في الوقت الحالي، ما دام يتم بالسعر العادل”.

وثيقة سياسة ملكية الدولة

ويرى النجار أن الدولة يبدو أنها بدأت في تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة التي أطلقتها في شهر يونيو الماضي، معتبر أن “طوفان الخصخصة قادم لبيع ما بنته الأجيال والحكومات السابقة لسداد أقساط وفوائد الديون التي أوقعتنا فيها السلطة القائمة”. 

واعتبر النجار أنه كان من الضروري أن تعرض الوثيقة على الخبراء وعامة الشعب قبل الإقدام على بيع أصول الدولة أن الحكومة هي تدير ما يملكه الشعب ولا تملك هذه الأصول”. 

وقال “في الحقيقة، الوثيقة تهدف بشكل أساسي بيع وخصخصة ملكيات عامة بسبب أن الحكومة أصبحت في مشكلة في سداد أقساط وفوائد الديون، التي كانت حوالي 46 مليار دولار في 2014، وارتفعت في نهاية مارس إلى 157 مليار دولار”. 

تسديد ديون مصر.. المشهد الحالي وسيناريوهات التحرك

تعالت أصوات مخاوف وتحذيرات من عدم تمكن مصر من تسديد أكثر من 26 مليار دولار كديون خلال العامين المقبلين في ظل أزمة اقتصادية تمر بها البلاد وطول مدة التفاوض مع صندوق النقد للحصول على قرض جديد، مع انخفاض في الاحتياطي النقدي الأجنبي.

وأطلق مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء في 13 يونيو الماضي، “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، والتي تضم القطاعات والصناعات التي تخطط الحكومة للتخارج منها أو زيادة حصتها فيها. 

وأكد مدبولي، بحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات، أن “وثيقة سياسة ملكية الدولة” تعدُ خطوة رئيسية في إطار زيادة فرص مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، حيث تمثل رسالة اطمئنان للمستثمر المحلي، وعنصر جذب للاستثمار الأجنبي، كما تسهم في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية، بما يجعلها خطة متكاملة تستهدف تمكين القطاع الخاص وتنظيم تواجد الدولة في النشاط الاقتصادي، وذلك استكمالا للإصلاحات الحكومية التي تتبناها الدولة المصرية. 

وقال مدبولي إن الوثيقة تهدف إلى مشاركة أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد المصري ليمثل 65 في المئة خلال ثلاث سنوات مقبلة.

وينتقد النجار تسمية الحكومة هذه الاستثمارات بـ”المباشرة”، معتبرا أنها “استثمارات زائفة”، وقال: إنها لم تنشئ أصلا استثماريا جديد ولكنها فقط تستحوذ على أصل استثماري قائم فعلا، ما يعني أنها لم تضف شيئا للاقتصاد القومي، فقط تدفق مالي للجهة المالكة وهي الحكومة التي تدير الأصول العامة نيابة عن الشعب”. 

وقال إن “الخصخصة تعني في جوهرها قطع الطريق على استثمارات محتملة، بمعنى أن هذه الأموال التي يدفعا المستثمرون الخليجيون، علينا أن نقنعهم بدفعها في إنشاء استثمارات جديدة”. 

ويدافع إسماعيل عن عمليات بيع شركات حكومية بأنها ستحقق هدفين، هما توفير موارد دولارية سريعة لخزينة الدولة، وستشجع المستثمر مستقبلا على ضخ استثمارات مباشرة في المستقبل. 

وقال: “عندما يرى المستثمر نجاح مشروعاته، وتحقيقه ربحية كبيرة في مصر، ودعم الحكومة له، سيصبح أكثر شجاعة لتوسيع استثماراته”.

وأضاف: “نحن لم نقل إنهم يجب أن يشتروا شركات قائمة بالفعل، من يريد أن يقوم باستثمار مباشر ويؤسس شركة جديدة من الصفر فأهلا وسهلا به، لكن في ضوء احتياجنا الحالي للعملة الصعبة، طرحنا هذا البديل، الأمر الثاني أننا نهدف من هذا أن يقوم هؤلاء المستثمرون باستثمارات مباشرة مستقبلا”.  

شروط وقيود

وتؤكد أستاذة الاقتصاد بالجامعة الأميركية عالية المهدي، في حديثها مع موقع “الحرة”: “عندما نفكر في بيع أصول قائمة، فالتفضيل يكون بالطبع للاستثمارات الجديدة، لأن الأصول القائمة، دائرة وفيها عمالة بالفعل، ولن تمثل أي إضافة لنا، إلا شيئا واحدا هو ثمن شراءها وتدفق دولارات، وهذا لا يكفي”. 

وأضافت: “عندما يكون الاستثمار جديدا، معناه أموال تنفق لشراء كل المدخلات العملية الإنتاجية وخلق وظائف جديدة”. 

وتطالب المهدي بوضع شروط وقيود على الصفقات التي تديرها الحكومة لبيع أصول الدولة. 

وتقول: “إذا كانت الدولة تفكر في بيع بعض الأصول كما قال وزير التخطيط، هذا الأمر سيكون مقبولا إذا وضعت الحكومة شروطا على عملية البيع، بمعنى أن من سيشتري أصل من هذه الأصول يجب أن يضخ استثمارات بقيمة معينة خلال فترة محددة، ولابد أن يقوم بتشغيل عمالة إضافية فيها بقدر معين، وإذا لم يحقق بعض الشروط التي وضعتها الدولة، يتم سحب هذه الأصول منه مرة أخرى”. 

وأكد أن “عملية البيع ليس من الضروري أن تكون متروكة لهؤلاء المستثمرين، ولا يقف الأمر عند دفعهم أموالا معينة ثم يفعلوا ما يريدون، لابد أن تكون عملية البيع مرهونة ومرتبطة بشروط تفيد مصلحة البلد”. 

تشير المهدي إلى ما حدث مع “فندق ميرديان غاردن سيتي، الذي بيع لمستثمر سعودي وأغلق الفندق تماما منذ 15 عاما بالرغم أنه أصل جميل جدا وفي موقع متميز، وأصبح غير مستغل وطرد الموظفين الذين كانوا يعملون فيه، وهذا حدث أيضا في فنادق أخرى مثل شيراتون الغردقة وغيره من الأصول التي اشتراها بعض المستثمرين العرب”. 

وتحذر من أنه “إذا لم نضع شروطا وقيودا على عمليات الشراء، فهناك احتمال أن يكون هناك ضرر يتحقق في المستقبل من عمليات البيع القائمة والمحتملة”. 

وفي مصر، البلد الذي يزيد عدد سكانه عن 103 مليون نسمة، تنفد العملات الأجنبية اللازمة لشراء ضروريات كثيرة كالحبوب والوقود. 

ومن أجل الاحتفاظ بالدولار، ضيقت الحكومة الخناق على الواردات، وهو ما أدى إلى قلة عدد السيارات الجديدة، وملابس الصيف أيضا. 

ويعيش قرابة ثلث المصريين في براثن الفقر، ويعاني الملايين من ظروف معيشية صعبة. 

وبجانب سعي الحكومة إلى بيع أصول عامة، فإنها تحاول الاقتراض من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي، فضلا عن ودائع خليجية، للتعامل مع الأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت بسبب وباء كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا.

وحصلت الحكومة على قرض بقيمة 500 مليون دولار من البنك الدولي هذا الصيف، و221 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقي للمساعدة في شراء القمح. 

وجددت الحكومة المصرية اتفاقية لمبادلة العملة مع الصين بقيمة 2.8 مليار دولار، وتدخلت السعودية والإمارات وقطر بتعهدات بقيمة 22 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات قصيرة الأجل، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.

Scan the code