حجم الثقة التي يوليها جمهور “الحزب التقدمي الاشتراكي” لرئيسه وليد جنبلاط، باتت محل حسد قوى سياسية أخرى، تنظر الى زعيم “الاشتراكي” على أنه براغماتي الى حدود الانقلاب على التعهدات، وهو مضمون ما ذهب اليه جمهور “القوات اللبنانية” في معرض الهجوم على جنبلاط بعد لقائه مع المعاون السياسي لأمين عام “حزب الله” حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا.
عند كل موقف، يلتحق جمهور “الاشتراكي” بزعيمه، ويبررها. يدافع عنها. يحشد التأييد لمواقفه. يعرف جنبلاط أنه يمتلك قاعدة جماهيرية موالية حتى الذوبان، لا تنظر في الانعطافات، ولا تكترث للتبدلات.. وتعرف قاعدته أن ما يقوم به، لن تكون هي بمنأى عنه.. فحجم التقديمات التي تحدث عنها الاعلام خلال فترة “كورونا” لسكان الجبل، لا تزال ماثلة.
“أنتينات جنبلاط”.. “رادار جنبلاط السياسي”.. “قراءة المتغيرات الدولية”.. “مواكبة التبدلات الاقليمية”.. “انحناءة الرأس حين ترتفع الامواج”… هي كلها مفردات يواظب جمهور جنبلاط على استخدامها عند كل تحول، ولو أنها تتضاعف حين يتقارب مع “حزب الله” أو يحاوره، بينما تشن الحملات على الحزب حين يخاصمه. جمهور جنبلاط، منذ العام 2005، هو الاقرب، عاطفياً، الى قوى 14 آذار.. لكنه لا يمثل حجر عثرة أمام أي تحول بالادبيات السياسية نحو الحزب. هو أعجز من أن يعترض، وأكثر ميلاً الى مؤازرة “الرئيس”، كما يطلق عليه أنصار “الاشتراكي”، في اشارة الى موقعه كرئيس للحزب.
ويعود ذلك بشكل اساسي الى الثقة. جمهور جنبلاط يثق به. لا يناقشه، ولا يواجهه. يتحول الجمهور الى مدافع، عندما يتعرض رئيس “الاشتراكي” لحملات سياسية. في مواقع التواصل، يرد الاشتراكيون الطعنات الفايسبوكية من جمهور “القوات اللبنانية”. هم ذراع جنبلاط، ودرعه السياسي الواقي في الصراعات السياسية. بات بهذا الجمهور، محل حسد من خصومه وحلفائه. ليس لأي فريق سياسي جمهور كجمهور جنبلاط. ويبرر هؤلاء هذا السلوك بالتأكيد ان “البيك لم يتركنا”، ومن الواجب “أن لا نتركه”.
ولم يتعرض جنبلاط لهجمات سياسية منذ 17 تشرين، مثلما يتعرض هذا الاسبوع، على خلفية شق طريق الحوار مع “حزب الله”. يتصدر جمهور “القوات اللبنانية” هذه الحملات، بالنظر الى ان انعطافة جنبلاط نحو “حزب الله”، ستحرم “القوات” وحلفاءه من فرصة ايصال رئيس للجمهورية يضع “السياديون” مواصفاته.. وستعطي الحزب تغطية لأي عملية عسكرية ضد اسرائيل، وبالتالي تعزز شرعية سلاحه ضمن البيانات الوزارية، بوصفه يحمي لبنان ويحصّل حقوقه..
كما ستضمن توظيف الحزب لأي مواجهة مع اسرائيل حول حقول النفط، في انتصار جديد، سواء اندلعت معركة عسكرية أو تجنبتها اسرائيل. في كل الحالات، يسجل الحزب انتصاراً مشفوعاً بحملات متدنية من الانتقادات الداخلية، ولن يبقى الا “القوات” وحلفائه في ساحة معركة الانتقاد.
يأخذ جمهور “القوات” هذه الهواجس بعين الاعتبار، ويواجه جنبلاط بصرياً من خلال مخزون لا نهائي من التصريحات المسجلة ضد الحزب، وضد الحوار معه. اخرجت جميعها الآن من الأرشيف وسلكت طريقها الى “تويتر”. هي حملات لن تغير في الوقائع بشيء. أولويات جنبلاط تختلف عن أولويات “القوات” في زمن الاستحقاقات والتسويات الكبرى من دمشق الى فيينا وبيروت وبغداد والرياض… وحين تقرب التسويات، يجيد جنبلاط رصدها واستثمارها، وهو ما يدفع “حزب الله” لملاقاته في منتصف الطريق.