كل صباح يتفقد سكان بيلغورود، جنوب غرب روسيا، أحوال مدينتهم، وهم في حالة خوف من مظاهر جديدة يشاهدونها في الشوارع كل يوم، وتشي بأن الحرب الدائرة في أوكرانيا قد تعبر الحدود وتصل إليهم.
أحدهم يجمع ألواح الخشب لحماية نوافذ مطعمه من أي اشتباكات أو هجمات محتملة، في حين يرمم آخر مدخل المكان الذي سيلجأ إليه إذا سقطت قذائف على المدينة.
قد يكون هذا المشهد اعتياديا في مدن أوكرانيا التي تتعرض لغزو عسكري روسي عنيف، لكن انتقال نفس المظاهر المرافقة للخوف إلى مدن روسية على حدود أوكرانيا يشير إلى تعمق الورطة التي وقع بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حين قرر شن حرب على أوكرانيا.
توثق مراسلة صحيفة “الغارديان” مشاهد تحكي قصة الخوف الذي يلازم المواطنين الروس من سكان هذه المدينة. في أحد الشوارع وسط المدينة، يسير جنود روس في وقت متأخر من الليل، يبدو عليهم عدم الثبات أثناء المشي، ربما هم في حالة سكر أو متعبون من الحرب، يبحثون عن مكان لتناول الطعام.
يقول هؤلاء الجنود، إنهم قاتلوا في أوكرانيا منذ فبراير كجزء من قوة الغزو، كانوا متمركزين في قرية فيليكي بروخودي، شمال خاركيف، قبل أن تأتيهم إشارة عاجلة تطلب منهم “الفرار” إلى روسيا، بعد أن اشتد الهجوم الأوكراني ضمن جهود تحرير البلاد.
هذا المشهد يثير الخوف في نفوس الروس ساكني المناطق الحدودية، إذ أن بعضهم فضل الفرار من المكان والدخول في العمق الروسي خوفا من أي هجوم.
أصبح من المستحيل تجاهل الحرب في بيلغورود، التي تعني بالروسية “المدينة البيضاء”، فالجنود الروس يجوبون الشوارع في مشاهد غير مألوفة، كما تنتشر الدفاعات الجوية لصد أي هجوم أوكراني، كما أن اللاجئين أضافوا عبئا جديدا على المدينة وسكانها.
إذا تحركت نحود الحدود، ستجد الجنود الروس مقابل المقاتلين الأوكرانيين، يرى بعضهم البعض، والكل في حالة استعداد، لكن الفرق أن الروس يعيشون ظروفا حطمت معنوياتهم ما أثر على قدراتهم القتالية، في حين يجد الأوكرانيون في الانتصارات المتتالية دافعا لتكثيف الضغط أثناء القتال وطرد الجنود الروس من أراضيهم.
وتقول الصحيفة إن انهيار الجبهة الروسية في خاركيف وعمليات الفرار الكبيرة، خلقت فكرة قاتمة في أذهان الناس العاديين هنا في بيلغورود أن الحرب قد تعبر إلى روسيا.
عند سؤالهم عن وجهتهم التالية، قال الجنود الروس إنهم لا يعرفون، لكنهم يعتقدون أنه من المحتمل أن تتم إعادتهم جنوبا “للدفاع عن الحدود”.
على الحدود أيضا، تحاول قوات روسية تعزيز المواقع الدفاعية، كما يروي أحد النشطاء، قائلا إنهم على مرمى البصر من القوات الأوكرانية على الجانب الآخر في مواجهة متوترة.
في بيلغورود، الكل يتحدث عن عبور الحرب للحدود، حتى لو اعتقد معظم الناس أنه من غير المرجح أن يمتد الصراع إلى أراضي روسيا.
أوليغ، صاحب مطعم، في الأصل من أوكرانيا، يرتدي قميصا مزينا بعبارة “ولد في خاركيف”، واشترى ألواحا من الخشب لاستخدامها في حال احتاج إلى تغطية نوافذ مطعمه عند اندلاع أي اشتباكات أو وقوع هجمات.
بنى شريكه في العمل، دينيس، ملجأ في فناء منزله الخلفي، ويقول إنه يأمل أن تنحسر التوترات. لكن المواطنين يتخذون أيضا احتياطات. يقول أوليغ: “لا أحد يتوقع أن تصل الحرب إلى هنا، لكن علينا أن نكون مستعدين”.
ملابس الشتاء
يرصد تقرير الصحيفة مشاهد تشير إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا قد تمتد للشتاء المقبل، ففي سوق بيلغورود المركزي، يستعد الجنود الروس للبرد في فصل الشتاء.
“أين الأقنعة؟”، صرخ أحدهم، بحثا في أحد الأكشاك العديدة التي تبيع القبعات والسترات والملابس الداخلية الشتوية وغيرها من معدات الطقس البارد.
وتقول مواطنة إن الجنود الروس يشترون المواد الغذائية والملابس وأدوات الطهي، متسائلة: “لماذا لا يزودهم الجيش بهذه الاحتياجات؟”.
وكانت تقارير كشفت عجز الجيش الروسي عن تلبية احتياجات الجنود الروس الذين ألقي بهم في خطوط القتال الأمامية، إذ تشير المعلومات التي رصدها الجهات الأوكرانية إلى لجوء جنود روس لعمليات السرقة والنهب لسد النقص الذي يعانون منه، خاصة في أوقات البرد القارس.
ولم تعط أوكرانيا أي مؤشر على أنها تعتزم عبور الحدود أو القيام بأكثر من استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا.
لكن مشاهد مدينة بيلغورود تتحدث عن حجم الانتكاسة التي يتعرض لها الروس وهو ما يزيد من الأعباء والتحديات أمام الرئيس الروسي الذي بدأ بفقدان الدعم من حلفائه، لأن الحرب طالت من دون تحقيق نتائج ملموسة.
وشهدت المدينة عمليات إخلاء مخططة للمدارس المحلية ومراكز التسوق الرئيسية، على ما يبدو أنه تمرين لفحص الجاهزية في حال حدوث قصف أو تهديدات بالقنابل.
وأعاد حاكم منطقة بيلغورود، فياتشيسلاف جلادكوف، إصدار أمر، الإثنين، يطالب السلطات المحلية بفحص ملاجئها ومدى قدرتها على الحماية من القنابل.
كما أغلقت المدارس القريبة من الحدود مؤقتا، كما تظهر مقاطع فيديو على الإنترنت متطوعين يقطعون الأشجار لبناء تحصينات في مناطق الغابات جنوب المدينة.
يصف سكان بيلغورود شعورهم بالصدمة في الأيام الأولى للحرب، تلاه ارتفاع في المشاعر الوطنية مصحوبة برموز مؤيدة للحرب مثل حرف “Z” الشهير على السيارات والمباني، لكن يبدو أن الوضع تغير الآن، ولا أحد يعرف ما قد يحل بتلك “المدينة البيضاء”.
يفهم الناس في بيلغورود الآن أن الحرب لا تسير على ما يرام في أوكرانيا، وأن جنودهم يتكبدون خسائر مؤلمة.