وتشهد العملة المصرية انخفاضا متسارعا في الفترة الأخيرة، ووصلت الأربعاء إلى حوالي 19.4 جنيه للدولار، لتصبح على بعد قروش بسيطة من كسر مستواها التاريخي الذي سجلته في ديسمبر 2016، والذي بلغ 19.51 جنيه، وذلك عقب تعويم الجنيه في نوفمبر من نفس العام.
ومنذ بداية العام الجاري فقد الجنيه المصري حوالي 23 بالمئة من قيمته، بعد أن ظل شبه مستقرا في آخر عامين، وذلك بالتزامن مع خروج مليارات الدولارات من السوق المصري، وارتفاع تكاليف الواردات بحدة خاصة الغذاء والطاقة، على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية.
وعقب تولى محافظ البنك المركزي الجديد حسن عبدالله، منصبه في 18 أغسطس، خلفا لطارق عامر، الذي استقال، شهد الجنيه المصري انخفاضات بعدة قروش يوميا، بنسبة وصلت حتى الآن إلى حوالي 1.2 بالمئة.
وتشير توقعات بنوك الاستثمار وخبراء الاقتصاد الذين تحدثوا مع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن الجنيه المصري يتجه للانخفاض إلى مستوى يتراوح بين 21 و22 جنيه خلال الفترة المقبلة المقبلة، وهو مستوى تاريخي غير مسبوق للعملة المصرية.
وقال هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، والمحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، إن “وتيرة الانخفاض الحالية للجنيه، لا يمكن اعتبارها تدريجية، فهو انخفاض سريع، لكن يبدو أن المركزي لا يريد أن يقوم بالتعويم مرة واحدة”.
“الأفضل أن يقوم المركزي بخفض الجنيه مرة واحدة، حتى يسمح بدخول التدفقات النقدية الأجنبية التي تنتظر هذه الخطوة، وحتى يتمكن من الحصول على موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد على القرض خلال الشهر الحالي، وهذا الأمر لن يحدث حتى يتم القضاء على السوق السوداء وتوحيد سعر الدولار في البنوك وخارجها”، بحسب ما قاله جنينة في تصريحات خاصة لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
وأضاف جنينة أن “السوق المصري في الوقت الحالي يسعر الدولار عند مستوى يتراوح بين 22 و22.5 جنيه، ومن الأفضل الإسراع بخفض العملة، حتى نصل إلى هذا المستوى حيث أن السعر العادل للجنيه وفق تعادل قوة الشراء يتراوح بين 22 و23 جنيه”.
وقال نعمان خالد، محلل الاقتصاد الكلي في شركة أرقام كابيتال، إنه من الضروري تسريع وتيرة خفض الجنيه خلال الأيام المقبلة، من أجل الوصول إلى المستوى الذي يستهدفه السوق حاليا بين 21 و22 جنيه للدولار، حتى تتمكن مصر من الحصول على قرض صندوق النقد والمضي في إجراءات مواجهة التحديات الاقتصادية الحالية.
“من الصعب أن يواصل المركزي المصري خفض الجنيه بهذه الوتيرة الحالية، لأن هذا قد يستغرق 3 أو 4 أشهر من أجل الوصول إلى مستوى 22 جنيه، خاصة أن هذا الوضع يثير توترا في حركة الاستيراد ويعطل البضائع في الموانئ، ويؤخر دخول التدفقات الأجنبية”، بحسب ما قاله خالد في تصريحات خاصة لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
“قد لا يتجه المركزي إلى تكرار سيناريو التعويم دفعة واحدة كما حدث في 2016، لكن على الأقل تكون الوتيرة أسرع بمعدل 20 قرشا أو أكثر كل يوم، حيث أن مرونة سعر الصرف شرط أساسي للموافقة على قرض صندوق النقد الذي يجب ألا يقل عن 7 أو 10 مليارات دولار حتى يسهم بشكل واقعي في سد الفجوة التمويلية التي تتراوح بين 30 و35 مليار دولار إلى جانب التمويلات التي ستأتي من جهات أخرى خاصة الدول الخليجية”، بحسب ما قاله خالد.
وأشار خالد إلى أن “هذا الخفض التدريجي قد يكون الهدف منه إعطاء إشارة للمواطنين بمسار العملة في الفترة المقبلة، وبالتالي عندما يسرّع عملية الخفض لن تكون مفاجأة مقارنة بالتحرك من وضع ثابت منذ فترة طويلة”.
وقال وائل زيادة، رئيس مجلس إدارة شركة زيلا كابيتال للاستثمار، لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه في ظل ارتفاع مؤشر الدولار أمام باقي العملات العالمية، بأكثر مما ارتفع أمام الجنيه المصري، “فنحن أمام عملة مقيمة بأكثر من قيمتها، وبالتالي لا بد أن تنخفض”.
وأشار إلى أن السعر الذي يجري تداوله في السوق السوداء أو في تسعير بعض السلع مثل الذهب يتراوح بين 21 و22 جنيه، وبالتالي قد يكون هذا المستوى هو السعر الاستكشافي المستهدف من قبل السوق.
وأضاف زيادة أن ما يجري حاليا هو أن البنك المركزي والحكومة يبحثان كيفية إدخال المرونة على سعر الصرف بما يساعد في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وضبط الأسعار.
وكانت وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، قالت في مقابلة مع “بلومبرغ” الأسبوع الماضي، إن “الحكومة تتفق على أن سعر الصرف المرن سيكون مفيدا بالتأكيد للاقتصاد”.
ويستبعد زيادة أن يتجه المركزي المصري إلى “التعويم الكامل”، موضحا أن أغلب دول العالم تتدخل في سعر الصرف بصورة أو بأخرى، مضيفا أن “التعويم الكامل في وضع دولة مثل مصر.. سيكون خطأ من الناحية الاقتصادية”.
وقال عضو مجلس إدارة في أحد البنوك الخاصة المصرية، فضل عدم ذكر اسمه، إن “الخفض التدريجي للجنيه يعطي إشارة إلى أن هناك مستهدف معين يجب الوصول إليه في المدى القصير”، وإن ذلك قد يكون في إطار التفاهمات مع صندوق النقد، بهدف إيجاد مرونة في سعر الصرف وخفضه بنسبة معينة.
وأضاف أن خفض الجنيه بهذا الشكل التدريجي، هو السيناريو الأفضل، “فلا توجد مصلحة لخفض الجنيه بشكل فوري، حتى لا يؤثر بشكل حاد على التضخم”.
ويرى عضو مجلس إدارة البنك الخاص، أن المركزي المصري سيترك الجنيه للانخفاض بهذه الوتيرة المتدرجة وصولا إلى مستوى 20 جنيها للدولار، ثم يترك السعر للسوق بحسب عوامل العرض والطلب، والذي قد يجد دعما من الحصول على قرض الصندوق ودخول استثمارات أجنبية مباشرة.
من جانبه، قال علي متولي، الاقتصادي ومحلل المخاطر بشركة انفوسبكترم للاستشارات، ومقرها لندن، في تصريحات لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه من المرجح أن يواصل الجنيه انخفاضه بوتيرة أسرع في الأيام المقبلة، وصولا إلى المستوى الذي يقدره السوق حاليا عند 22 جنيها للدولار بنهاية العام، لكي تتمكن مصر من الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، وفي نفس الوقت يتجنب المركزي حدوث صدمة تضخمية كبيرة في حالة التعويم الفوري.